آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

الهيمنة

محمد أحمد التاروتي *

يتحرك بعض أصحاب النفوذ الاجتماعي، لاستخدام الصلاحيات والإمكانيات، لبسط سيطرته، واحكام سطوته، على المحيط القريب أولا، والعمل على التمدد في الاتجاهات الافقية والعمودية ثانيا، لأغراض متعددة بعضها مرتبط بارضاء الغرور الذاتي، والبعض الاخر لقطع الطريق امام محاولات تقليص النفوذ، وتحجيم الدور في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان الهيمنة المادية والمعنوية تطلق الايدي لاتخاذ القرارات دون خوف، او خشبة من المحاسبة او المعارضة، وبالتالي فان إساءة استغلال الصلاحيات، وتوظيف الإمكانيات، وتسخير الكفاءات البشرية، تمثل أولويات أساسية لاستمرار السلطة على الاطار الاجتماعي.

الهيمنة تمارس باشكال مختلفة وباساليب متعددة، تبعا لحجم الصلاحيات والإمكانيات المتوافرة، فاذا كانت واسعة فانها لا تقف عند حدود، وانما تتجاوز الاطار المتعارف، وأحيانا تخترق مستوى التفكير الإنساني، الامر الذي يحدث حالة من الاستغراب والاستنكار، ”وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَ?هٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى? إِلَ?هِ مُوسَى? وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ“، فيما لا تتجاوز بعض الممارسات لبسط الهيمنة الاطار الجغرافي الضيق، نظرا لمحدودية الإمكانيات المتاحة، مما يعرقل الكثير من الجهود، لتجاوز النطاق المكاني المرسوم سلفا.

انعدام القواعد المنظمة للعلاقة بين أصحاب النفوذ الاجتماعي والمجتمع، يلعب دورا كبيرا في تحريك أصحاب النفوس الضعيفة، على فرض المزيد من السطوة على المحيط الاجتماعي، نظرا لغياب الأطر القانونية القادرة على وضع الأمور في النصاب السليم، خصوصا وان عملية الهيمنة تبدأ بالشعور بالقوة وامتلاك جميع الأدوات، القادرة للصعود على اكتاف الاخرين، وبالتالي فان المحاولات الساعية لضبط إيقاع العلاقات الاجتماعية، ستبقى غير فاعلة، وأحيانا ”مرفوضة“، نظرا لوجود ثقافة اجتماعية داعمة لاصحاب النفوذ الاجتماعي، ”الشيوخ ابخص“، بمعنى اخر فان، القانون اكثر قدرة على تنظيم العلاقات الاجتماعية، وقطع الطريق امام الانفلات، لاستغلال النفوذ في سبيل تحقيق غايات وأغراض شخصية، لاسيما وان النفس البشرية تنجح للاستفادة من الصلاحيات بطريقة غير قانونية، في سبيل الحصول على المكاسب السريعة، الامر الذي يحدث حالة من عدم التوازن في العلاقة القائمة، بين أصحاب النفوذ والبيئة الاجتماعية، مما يجعل اليد الطولى لاصحاب النفوذ الاجتماعي، على حساب مختلف الشرائح بالمجتمع.

جنون العظمة والتحرك باتجاه رسم واقع استثنائي، وأحيانا لمحاولة الانتقام من المحيط الاجتماعي، عناصر دافعة لممارسة ”الهيمنة“ على البيئة الاجتماعية، فالبعض يحاول التحرك بعكس التيار، وضرب جميع القواعد الأخلاقية الحاكمة، مما يدفعه لرفض كافة الدعوات الساعية، لترميم العلاقات الاجتماعية بطريقة ”الكلمة الطيبة“، من خلال تجيير الاخرين لخدمته، والعمل على ضرب جميع الأصوات الداعية، لاعادة ترتيب العلاقات القائمة، باعتبارها تحركات غير محببة، وتنم عن خروج صريح عن ”بيت الطاعة“، مما يستوجب استخدام ”العصا“، واستبعاد ”الجرز“، وبالتالي فان العمل على وضع الجميع رهن اشارته، والتأكد من عدم وجود أصوات قادرة على اختراق ارادته، ”يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون“.

لجم الهيمنة مرتبط بالوعي الاجتماعي، والقدرة على تحديد مسار العلاقات القائمة، فالوقوف بحزم امام التحركات المشبوهة، ورفض مختلف اشكال الاستغلال، وتأطير الصلاحيات الممنوحة، تؤتي ثمارها المستقبلية، وتحول دون بروز ثقافة ”الهيمنة“ في البيئة الاجماعية، خصوصا وان السلطات الواسعة تشجع على تكريس هذه الثقافة في النفوس الطامحة، مما يجعل السيطرة عليها مهمة صعبة، وأحيانا خارج السيطرة، وبالتالي فان توفير الأطر القانونية يحدث اثرا كبيرا، ويمنع إساءة استغلال الصلاحيات بطريقة فجة، الامر الذي يساعد في قمع محاولات نشر هذه الثقافة في البيئة الاجتماعية.

السيطرة على الرغبات البشرية الساعية للهيمنة ليست سهلة، خصوصا وان البشر يتحركون في اتجاهات مختلفة، مما يدفع لممارسة هذه الثقافة باشكال مختلفة، نظرا لوجود دوافع متعددة في اللجوء لهذه الاعمال، وبالتالي فان الحرص على تقليص هذه الممارسة يساعد ديمومة العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان رفض الهيمنة عملية مرفوضة لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، باعتبارها وسيلة للاستغفال وأسلوب غير أخلاقي، للاستفادة من الصلاحيات للوصول الى الغايات الخاصة.

كاتب صحفي