آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الوضاعة

محمد أحمد التاروتي *

لا يجد البعض غضاضة من إهانة الذات، في سبيل تحقيق بعض المكاسب، فهو يستخدم كل الوسائل بهدف الوصول الى الغايات المرسومة، منها التنازل عن عزة النفس طواعية، وكذلك عبر ارقة الماء الوجه مقابل الثمن الرخيص، مما يفقد هذه الفئة الكثير من الاحترام في الوسط الاجتماعية، جراء عمليات ”تقبيل الأحذية“ التي تما سها هذه الشريحة في العديد من المناسبات والمواقف.

التنازل عن ”عزة النفس“ خيارا مصيريا وقرارا خطيرا، مما يدفع الكثير لتحمل الكثير من المصاعب، والصبر على تبعات المواقف المعارضة، خصوصا وان حفظ الماء الوجه يحفظ كرامة النفس سواء لدى الوسط الاجتماعي، بالإضافة لكون الاحتفاظ ب ”غزة النفس“ يحدث تصالحا مع الذات، وبالتالي فان المرء المحترم يتحاشى جميع الممارسات التي تحط من الذات، سواء على الصعيد الشخصي او الاطار الاجتماعي، الامر الذي يفسر تجميد الكثير من العقول الذكية ومنع وصولها للمواقع القيادية، وتصدر المشهد أصحاب النفوس الوضيعة، نتيجة رفض أصحاب ”عزة النفس“ تقديم التنازل على حساب المبادئ الأخلاقية، مما يتسبب في انزال العقاب، من لدن أصحاب النفوذ الاجتماعي.

أصحاب النفوذ الاجتماعي لا يجدون صعوبة، في إيجاد الشخصيات الوضيعة، نظرا لتلاقي المصالح أحيانا، وحرص أصحاب النفوس الدنيئة، على القفز على العوامل الطبيعية، والكفاءة لتحقيق بعض المصالح الخاصة، وبالتالي فان الرغبة الجامحة لتسلق السلم الاجتماعي، تشكل احد العوامل للتذلل، والتنازل عن القيم الأخلاقية، الامر الذي يستغله أصحاب النفوذ الاجتماعي بشكل احترافي، عبر الحصول على الكثير من التنازلات، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، خصوصا وان فقدان الاحترام في الوسط الاجتماعي، يشجع على الاذلال، وكسر شوكة أصحاب النفوس الوضيعة، بهدف استمرار الطاعة العمياء، والحيلولة دون التفكير في الانقلاب، على أصحاب النفوذ الاجتماعي.

التدرج في تقديم المغريات، والتأني فتح الطريق للصعود، استراتيجية معتمدة لدى أصحاب النفوذ الاجتماعي، فهذه الشريحة تدرك المرامي الحقيقية، لاصحاب النفوس الوضيعة، لتقديم جميع فروض الطاعة، مما يستدعي للحرص وعدم التفريط في الورقة الرابحة، من خلال المراوغة والتأخر بخصوص فتح الطريق، امام أصحاب النفوس الوضيعة، للصعود في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان احتراق الأوراق الرابحة لدى أصحاب النفوذ الاجتماعية، تدفع شريحة النفوس الوضيعة للبحث عن أرواق اقوى نفوذا، لاستكمال عملية الصعود السريع، الامر الذي يتمثل في بيع الحلفاء القدماء، فالعملية لا تعدو عن كونها ”بيع وشراء“، خصوصا وان لعبة التسلق تتطلب التخلي عن المبادئ، والقيم الأخلاقية.

شريحة أصحاب النفوس الوضيعة، ليست محصورة في فئة اجتماعية، فهي متواجدة في الشرائح الفقيرة والغنية، حيث تلعب التطلعات والطموحات محركا أساسيا، في الانخراط في دائرة هذه الفئة الاجتماعية، فالفئة الفقيرة تتحرك وفقا لتطلعات تتناسب مع التفكير، للخروج من دائرة الفقر بطريقة غير مشروعة، فيما الفئة الغنية تعمد للتنازل عن القيم الأخلاقية، وإراقة ماء الوجه، في سبيل التهام المزيد من المكاسب، على حساب الفئات الاجتماعية الأخرى، وبالتالي فان كل فئة تحاول البحث عن الأطراف القادرة على تحقيق مكاسبها، الامر الذي يدفع لمحاولة عقد التحالفات المصلحية، للوصول الى الغابات المرسومة، خصوصا وان الاليات المتبعة للوصول الى الأغراض تختلف باختلاف الظروف الاجتماعية، وكذلك تبعا لنوعية التحالفات المبرمة.

المشكلة تكمن في خسارة أصحاب النفوس الوضيعة للمكانة الاجتماعية، مما يجعل عملية ترميم الاحترام في البيئة الاجتماعية صعبة في الغالب، نظرا لوجود قناعات راسخة لدى الوسط الاجتماعي، بعدم الثقة بهذه الفئة، نظرا لما تمثله من انحدار أخلاقي، وقدرة على الدوران الكامل بمجرد بروز مصالح، تحفز على التخلي عن الوعود والتعهدات، وبالتالي فان إعادة الثقة في أصحاب النفوس الوضيعة مخاطرة كبرى، وعملية محفوفة بالخطر الكبير، مما يستدعي اخذ الحيطة والحذر، وعدم التعاطي مع أصحاب النفوس الوضيعة، لما يمثله من تداعيات سلبية على البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي