آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

استثمار الطاقات

محمد أحمد التاروتي *

اكتشاف الطاقات البشرية عملية ضرورية لمواصلة مسيرة الأمم، باعتبارها خطوة أساسية لبناء قاعدة صلبة لعملية النهوض الشاملة، فالامم تبنى بالكفاءات والعقول البشرية، مما يستدعي البحث الدائم عن الكنوز المدفونة في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان عملية اكتشاف الطاقات مرهونة بوجود برامج لتحفيز الادمغة، على العطاء في مختلف المجالات العلمية والحياتية، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على التنمية المستقبلية، نظرا لوجود مخزون كبير من العقول القادرة، على رفد الامة بالوقود الدائم لمقارعة المجتمعات الأخرى.

التفريط في الطاقات البشرية ينعكس على استمرار الانحدار، والتخلف عن ركب الأمم الأخرى، حيث يلعب غياب الرؤية وانعدام التخطيط السليم في ارتكاب الأخطاء القاتلة، لاسيما وان الاحتضان الدائم للعقول وتوفير متطلبات الابداع، عملية أساسية في استقرار تلك الطاقات، والاستفادة منها بالشكل الإيجابي، خصوصا وان الاستثمار مرتبط بوجود برامج قادرة على تفجير العقول البشرية بالشكل الملائم، وبالتالي فان الهفوات واللامبالاة تعطي نتائج عكسية على المدى القريب والمتوسط، بحيث تظهر على اشكال مختلفة منها الافتقار للقدرة على مواكبة التطور، والفشل في قراءة المستقبل بطريقة ذكية.

الاستثمار الإيجابي مرتبط بالادراك الواعي لأهمية الكفاءات البشرية، فهناك الكثير من البيئات الاجتماعية غير قادرة على تسخير العقول بما يحقق النتائج المرجوة، من خلال التهميش المتعمد، وتجاهل الابداعات الحقيقية للادمغة، والعمل على تحجيم دورها في المعاهد البحثية والعلمية، مما يحدث حالة من الإحباط الكبير، بحيث يقود الى الانكفاء على الذات، وتعطيل الابداع في مختلف المجلات العلمية، خصوصا وان الطاقات البشرية بحاجة الى رعاية ”خاصة“، تتجاوز البرامج العامة المعتمدة في المجتمع، وبالتالي فان رصد الموارد المالية يمثل خطوة أساسية، لاستثمار الموارد البشرية المبدعة، مما يحدث حالة من التكامل لبدء مشوار التقدم، والنهوض الشامل في المجتمع.

القدرة على استثمار الادمغة البشرية ممارسة ثقافية، ولكنها بحاجة الى قرارات صارمة، لتحويلها الى واقع ملموس، فهناك الكثير من القرارات الصائبة، لكنها تبقى حبيسة الادراج، جراء غياب الإرادة الصادقة لتفعيلها وترجمتها في الواقع الاجتماعي، الامر الذي يعرقل الكثير من عمليات التنمية، ويعطل مسيرة النهوض الشاملة، وبالتالي فان التحدي الحقيقي يتمثل في توجه الثقافة الاجتماعية باتجاه احتضان العقول البشرية، وفتح الطريق امامها للابداع والوقوف بحزم امام كافة العراقيل، التي تعترض سبيل تحفيز الادمغة البشرية، انطلاقا من القناعات الاجتماعية بضرورة الاستفادة من الكفاءات، نظرا لما تمثله هذه الشريحة من أهمية بالغة، في المرحلة الراهنة، والمراحل القادمة.

عملية الاستثمار من الطاقات البشرية، ليست مرهونة في إطارات محددة، فالبناء الاجتماعي عملية تكاملية وتدريجية، وبالتالي فان محاولة القفز على المراحل تترك تداعيات سلبية على المسيرة الصحيحة بالمجتمع، مما يستدعي انتهاج سياسة التعاطي المسؤول تجاه مختلف القضايا الاجتماعية، بهدف وضع البيئة الاجتماعية على المسار السليم، والامتناع عن اتخاذ القرارات المتسرعة، نظرا لما تمثله من خطورة على البناء الاجتماعي، بمعنى اخر، فان التحرك الاجتماعي لتعظيم الفائدة من العقول البشرية، يتطلب الاستفادة من مختلف الظروف، والعمل على تسخيرها، بما يقود الى تحفيز الادمغة بالطريقة الإيجابية.

الطاقات البشرية الكنز الحقيقي للأمم على اختلافها، بيد ان الاختلاف يكمن في القدرة على استثمارها، بما يخدم العملية التنموية، فالامم المتخلفة تعتمد الأساليب الطاردة للادمغة، ودفعها للهجرة للبيئات المثالية والقادرة على استثمارها بالشكل المطلوب، فيما الأمم المتقدمة تحرص على توفير جميع الإمكانيات، لاستقرار العقول البشرية، لادراكها لخطورة التفريط فيها، خصوصا وان قيمة الأمم بما تقدمه من خدمات جليلة للبشرية في مختلف المجالات، مما يستدعي استيعاب الادمغة البشرية عبر تقديم جميع المغريات، والعمل على تلبية الكثير من المتطلبات، لتحفيز العقول على العطاء بشكل مستمر.

كاتب صحفي