آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الثقافة التدميرية

محمد أحمد التاروتي *

ممارسة التخريب على الاطارين الضيق والواسع، مرتبطة بالمنظومة الأخلاقية وأحيانا نابعة من المفاهيم الثقافية، لدى بعض الفئات الاجتماعية، مما يدفعها لمحاولة اعتماد سياسة ”السياسة المحروقة“ و”احراق روما“، بهدف اغراق المحيط الضيق، وكذلك اشغال البيئة الاجتماعية بمشاكل عميقة، الامر الذي يسهم في إرضاء النفس ”الخبيثة“، التي تتعمد اثارة النعرات، وتوسيع شقة الخلافات في الوسط الاجتماعي، وبالتالي فان زرع الثقافة التدميرية عملية ممنهجة، وليست ممارسة طارئة، نظرا لوجود اهداف بعيدة المدى لتكريس الخصومات في النفوس، وابعاد كافة التقارب ونزع أسباب الخلاف من البيئة الاجتماعية.

النجاح في نشر أسباب الخلاف في البيئة الاجتماعية، مرتبط بتوافر الظروف المناسبة، ووجود أرضية خصبة لتكريس عناصر الشقاق، على الصعيد الاجتماعي، بحيث تبدأ الثقافة التدميرية في الانتشار بشكل تدريجي، مما يجعلها ممارسات طبيعية، ومفردات متداولة بشكل يومي، وبالتالي فان محاولة انتزاع تلك الثقافة من البيئة الاجتماعية، بحاجة الى تظافر الجهود، وإرساء قواعد أخلاقية بديلة، قادرة على هزيمة النوازع الشيطانية الامارة بالسوء.

العناصر الشريرة تلعب دورا أساسيا، في ادخال البيئة الاجتماعية، في اتون الحروب الأخلاقية المدمرة، من خلال اثارة الحساسيات والعصبيات لدى بعض الأطراف، لرفع مستوى التوتر والدخول في الصدام المباشر، لاسيما وان الثقافة التدميرية تتطلب البحث عن مختلف أسباب الخصومة، والتحرك في جميع الاتجاهات، بغرض استقطاب الفئات ”المتذبذبة“ وغير الواعية، للدخول بطريقة مباشرة او غير مباشرة، في المشروع التدميري، الامر الذي يتمثل في محاولة التعرف على نقاط الضعف، والوقوف على عناصر القوة، من اجل التركيز على نقاط الضعف، لاثارة العصبيات تجاه بعض الأطراف الأخرى، مما يحدث حالة من القطيعة المؤقتة او الدائمة، بغرض ادخال المجتمع في الاشتباك المباشر.

عملية التدمير تبدأ من الداخل أولا، مما يدفع لمحاولة تخريب البيئة التصالحية بالمجتمع، نظرا لخطورة ضرب السلم الاجتماعي، فالحروب الخارجية ليست قادرة على إرساء قواعد تدميرية في الكيان الاجتماعي، نظرا لادراك مختلف الشرائح الاجتماعية، بخطورة التنازع مع وجود الخطر الخارجي، مما يدفع لمقاومة مختلف أسباب الخلافات الداخلية، والتركيز على العدو الخارجي، وبالتالي فان التخريب من الداخل يمثل الخيار الأكثر قدرة، على إرساء قواعد ”الثقافة التدميرية“، جراء وجود الاستعداد النفسي لدى بعض الشرائح الاجتماعي، مما يدفعها للدخول في المشروع بطريقة مباشرة او غير مباشرة، من خلال التحرك غير الواعي باتجاه الخصومة، مع القريب او الشريك في البيئة الاجتماعية.

خطورة الثقافة التدميرية تكمن في تعطيل العقول، واستنزاف الطاقات البشرية، وعرقلة الجهود الساعية، لارساء مفاهيم تنموية في البيئة الاجتماعية، فالثقافة التدميرية ترسم مسارات تخريبية سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي، مما يحدث حالة من الصراع الداخلي بين المفاهيم الأخلاقية، والنوازع الشيطانية، خصوصا وان القيم الأخلاقية تدفع باتجاه تغليب اللغة التصالحية، وتحكيم المصالح المشتركة على الغايات الشريرة، فيما الاعمال الشيطانية تتحرك باتجاه زرع الفتنة في النفوس، والعمل على اثارة المشاكل، في سبيل تكريس واقع تدميري في النفوس، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على المسيرة التنموية الاجتماعية، جراء انشغال الجزء الأكبر من المجتمع بقضايا هامشية، والتفكير في تسجيل النقاط على حساب الخصم بالدرجة الأساس.

هزيمة الثقافة التدميرية تبدأ من الادراك الكامل، بأهمية تدعيم قواعد ثقافة ”البناء“، والابتعاد عن مسببات التشاحن، لاسيما وان المسيرة الاجتماعية مرهونة بمجموعة المفاهيم السائدة في البيئة الاجتماعية، فاذا اتسمت بالبغضاء والكراهية، فانها تتسبب في انزال الكثير من العواقب على المجتمع، فيما ستكون الأمور اكثر استقرارا بمجرد هيمنة لغة السلام، على الممارسات اليومية للكثير من الفئات الاجتماعية، وبالتالي فان قهر الثقافة التدميرية مرتبط بالارادة القوية، لدى الشرائح الاجتماعية بالدرجة، مما يفرض وضع المصالح المشترك في الاعتبار، قبل الاقدام على الخطوات، فالكثير من الخيارات يمكن تجنبها بمجرد التفكير، في عواقبها على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.

كاتب صحفي