آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

كورونا.. الصحة أولا

محمد أحمد التاروتي *

ترفع جميع الحكومات العالمية شعار ”الصحة أولا“، في مواجهة وباء كورونا، فالاجراءات الصارمة المتخذة للتقليل من اثار الموجة الثانية، تستهدف انقاذ الأرواح من الوقوع فريسة سهلة، في براثن ”الفيروس“ القاتل، الامر الذي يدفعها للبحث عن الوسائل واعتماد الاليات المناسبة للسيطرة على الوضع، خصوصا وان التجربة المريرة التي عاشتها الشعوب في الموجة الأولى، تدفع باتجاه التشدد وعدم التساهل مع الموجة الثانية.

التحديات الخطيرة الذي تخوضها الحكومات العالمية، تتوزع بين التحرك السريع لتوفير اللقاحات اللازمة لتقليل انتشار الفيروس، وتوفير المناعة لدى الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، وكذلك العمل على إبقاء الأمور تحت السيطرة، عبر تسخير المنظومة الصحية لتوفير الخدمات للمرضى، لاسيما وان الكثير من المشافي تواجه ضغوطا كبيرة، جراء عدم توافر الاسرة اللازمة لاستقبال المرضى، مما يستدعي انتهاج الطرق المناسبة للتغلب على تلك التحديات، والعمل على الخروج من الازمة باقل الخسائر.

دراسة التجارب العالمية والتعرف على الإجراءات الصارمة، التي اتخذتها بعض الحكومات العالمية، يمثل احدى الوسائل للتعاطي الإيجابي مع تداعيات الموجة الثانية من جائحة كورونا، خصوصا وان استخدام اللقاحات في بعض الدول العالمية، ليس كافيا لوقف انتقال العدوى بين الناس، فالارقام في تصاعد مستمر على المستوى العالمي، فضلا عن استمرار نزيف الأرواح نتيجة الفيروس القاتل.

الاستهتار واللامبالاة التي ظهرت لدى بعض الحكومات كلفتها الكثير من الأرواح، بحيث اخذ تتعامل بطريقة مختلفة تماما عن الأسلوب المتخذ في الموجة الأولى، نظرا للانتقادات العالمية التي واجهتها خلال الموجة الأولى، بحيث وجدت نفسها مدفوعة لاتخاذ الإجراءات الصارمة، والقرارات الصعبة لمواجهة اخطار الجائحة في الموجة الثانية، نظرا لادراكها بحجم المخاطر المترتبة على التساهل في التعامل مع انتشار الفيروس، مما يؤثر على قدرة القطاع الصحي في استيعاب الاعداد المتزايدة من المرضى.

المظاهرات وموجة الغضب المصاحبة لقرارات الحظر في بعض الدول الأوروبية، لم تلق اهتماما لدى تلك الحكومات، خصوصا وان الصحة العامة مقدمة على بعض المصالح الخاصة، فالعملية مرتبطة بالارواح بالدرجة الأولى، مما يستدعي التعامل بحزم مع تلك الاحتجاجات، وتجاهل كافة المحاولات لاجبار الحكومات على التراجع، وبالتالي فان الحرص على الخروج من الموجة الثانية، يفرض انتهاج الوسائل الصعبة، فالفيروس لا يعرف الرحمة على الاطلاق، فهو يضرب بقوة في جميع الاتجاهات، بحيث ينتقل بسرعة كبيرة بين البشر، ولا يفرق بين الصغير والكبير، والرجل والسيدة.

تتحمل كافة الدول العالمية الكثير من الضغوط، لمواجهة التحديات المترتبة على جائحة كورونا، فهي تحاول الإمساك ”العصا من الوسط“، بحيث ”لا يجوع الذئب ولا يفنى الغنم“، بمعنى اخر، فانها مطالبة باتخاذ اللازمة لحماية الصحة العامة، فتارة من خلال فرض الإجراءات الصارمة، وتارة أخرى بالتعاقد مع الدول المصنعة للقاحات، لتوفير الكميات الكبيرة لحماية المواطنين من الفيروس، بالإضافة لذلك فانها مطالبة بالحفاظ على الدورة الاقتصادية، خصوصا وان الاغلاقات الطويلة تهدد الكثير من القطاعات، وتسهم في فقدان الاف الوظائف، جراء عدم قدرة الشركات على تحمل تبعات تعطل الدورة الاقتصادية، وبالتالي فانها تعمل على إرساء معادلة صعبة، من خلال سن العديد من القرارات، ذات العلاقة بحماية الاقتصاد من الوقوع في فخ ”الاغلاق الشامل“.

الصحة أولا يمثل الشعار الأكثر بروزا في المرحلة الراهنة، فكل الإجراءات المتخذة على المستوى العالمي، تدخل ضمن الحفاظ على الأرواح، والعمل على تجاوز تداعيات الوباء المنتشر في العالم، لاسيما وان اكتشاف سلالات جديدة يفاقم المعاناة، ويدفع باتجاه تكاتف الجهود للسيطرة على الوضع، بما يحفظ أرواح البشر، خصوصا وان الأرواح التي حصدها الفيروس القاتل تجاوزت حاجز مليون نسمة، منذ بروز الوباء في أواخر عام 2019 في الصين.

كاتب صحفي