آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

لماذا قتلوا لقمان سليم؟

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

كان خارجاً من دارة آل سليم، في محلة الغبيري، عند التقاطع الشهير وسط ضاحية بيروت الجنوبية، حينها استوقف أحد المارة الشيخ حبيب آل جميع، وقال له: مولانا ما الذي جاء بك إلى هذا المنزل؟ وأخذ الشاب اللبناني يحذر آل جميع من مثالب القاطن في الداخل، الناشر والكاتب والسياسي لقمان سليم، واصفاً إياه بنعوت سلبية. صديقنا، سأل ناصحه: هل تعرف الرجل؟ فأجابه بالنفي! فقال له الشيخ: أنا أعرفه، وهو صديقي، والكلام الذي تتحدث به عنه مليء بالمغالطات والتضليل.

ذات مرة، كان أحد أصدقاء الشيخ آل جميع بحاجة إلى مبلغ مالي عاجل، لوجود فرد من أسرته في المستشفى ببيروت لإجراء تدخل علاجي طارئ. الصديق المحتار والبعيد، لم يستطع إيصال المبلغ في وقته، فطلب من الشيخ مساعدته، والذي كان حينها في سورية، فما كان منه إلا أن اتصل بالسيد لقمان سليم، الذي لبى النداء فوراً، وأرسل المبلغ، من دون تردد أو سؤال، حتى جاء آل جميع إلى لبنان وأعطى سليم ما قدمه من مال.

هذا نزرٌ يسيرٌ جداً من قصص كثيرة، بالعشرات، كانت تحدث بين لقمان وأصدقائه، لأنه كان يبني علاقته على: الثقة والصدق والوفاء.

شخصية كهذه، قبل أن يتم اغتيالها في 4 فبراير الجاري، تعرضت لاغتيال معنوي، وحملة تشويه منظمة ومستمرة، رغم أنه كان يتسم بالصراحة والشفافية في نقده لخصومه في الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، وتحديداً ”حزب الله“.

لم يكن الراحل سليم شخصية مواربة، منافقة، تلبس الأقنعة، بل كان خصماً واضحاً جداً في رابعة النهار، وخصمٌ كهذا، هو أكثر صدقية من أولئك النقاد الذين يبدلون مواضع بنادقهم بناء على ما تمليه مصالحهم!

بقدر ما كانت جريمة اغتيال سليم صادمة، إلا أنها ليست بالمستغربة، دون أن يتجاوز المراقب التوقيت والمكان والطريقة، وكأن هنالك ما هو أسوأ يحضر له.

من قتل لقمان سليم، عرف أي شخصية يختار. لم يكن لقمان مجرد محلل سياسي أو ناشط مدني. تلك هي قشورٌ بسيطة وهامشية جداً، لأنه أكثر أهمية من كل ذلك.

الكاتب اللبناني حازم صاغية، أصاب في مقالته المنشورة بصحيفة ”الشرق الأوسط“، عندما كتب ”المعرفة التي قتلت لقمان سليم“.

كان سليم خطراً على خصومه بما لديه من علم. لم يكن سليم مجرد سياسي يتحدث عبر الفضائيات، ولا يحسن سوا الكلام. لقد كان لقمان يحسن كل شيء، وتحديداً الأشياء الأكثر إيلاماً: بناء قوى الضغط، وصناعة شبكات العمل، والعلاقات الواسعة مع شخصيات مؤثرة ونافذة في الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والبعثات الدبلوماسية والحكومات. كان يعرف كيف ينسج خيوط أفكاره، ويسخر جميع هذه العلاقات من أجل تحقيق أهدافه التي آمن بها.

كثيرون ينتقدون الطبقة السياسية في لبنان، لكنهم لا يجيدون غير الثرثرة التي لا تقدم شيئاً. فيما الكلام كان أبسط شيء يتقنه لقمان، الذي في جعبتهِ الكثير مما لا يصلحُ إلا للفعل لا القول، وهنا بيت القصيد!