آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الرقي والتميز - سرّ عظمة البشر 1

المهندس هلال حسن الوحيد *

أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير
وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ

- عليّ بن أبي طالب -

بداية تميز الانسان كان من تلك البذرة التي زرعها اللهُ في ذاتِ أبيه آدم وأمّهِ حواء. خَلقًا باهى اللهُ به ملائكته، جعله خليفة وأمرهم بالسجودِ له وكرَّمه على كثيرٍ من الخلق وفضَّله تفضيلًا يقتضي المبالغةَ في الوصف، وحمله في البرِّ والبحر ورزقه من الطيِّبات، يأكل ويشرب ويتلذذ ويلبس ويسكن، في رخاءِ ورغدِ العيش المتَّسع الخصب.

بعض سرّ عظمتنا يكمن في عقولنا وإرادتنا. وفي شهواتنا وغرائزنا التي تَارَةً تدفعنا نحو الكمال الذي لاحدَّ له سوى ما حدَّ الخالقُ لأجمل وأرقى ما خلق، وتارةً أخرى - إن شئنا - تهبط بنا هذه الغرائز والإرادات في وديانِ الشرور.

هبط الإنسان إلى الأرض عريانًا من اللباسِ والرياش، ومجردًا من المعارف. لا نارَ يصطلي ولا زرعَ يحصد، ليس إلا الدواب يركبها والرماح يصيد بها ويصدّ بها عن نفسه.  ثم سرعان ما علمته الملائكةُ ما ينبثق به في الأرض طالبًا محصِّلًا مدارجَ الكمال، يقطع البراري والقفار، ويجتاز البحارَ ويرتقي الجبال، مرَّة يبني ويعمِّر، وأخرى يخرِّب ويدمِّر!

تعلم اللغةَ والقراءةَ والكتابة وطرقَ كلَّ أبوابِ العلم. في كلِّ يوم يفتح اللهُ له في تميزه أبوابًا في العلومِ والفنون، حتى كبرت البذرة ووصل إلى ما هو فيه الآن من التميز. ودون شكّ أن ما سيصل إليه إبداع هذا المخلوق بعد اختفاء جيلنا سوف يذهلنا ونحن تحت الأرض. ومن ذكريات هذا التقدم والابداع أن في سنة 1980م - يومها كنتُ طالبًا في الصفوفِ الأولى من الجامعة - جهاز الحاسوب الآلي الذي أذهلنا كان بحجم الغرفة التي نسكنها، ثمَّ صار الآن حجمه لا يعدو راحة اليد - متوفرًا لكلِّ إنسان - ويقوم بحساباتٍ أشد تعقيدًا بمئات المرات.

ومع كلِّ هذا التميز في الحياة الدنيا اشترط عليه خالقهُ أمورًا بسيطةً وواضحة لكي يجعل منه مخلوقًا يبقى عصيًّا على الفناءِ بعد الموت، بعدها يبقى ساكنًا إما في الجنَّة أو في النَّار. ولكي ينجح في امتحان التميز، أعتقد أنه لابد له من أن يوازن في استخدام أدوات الشهوة والعقل وإرادة والتميز والانحطاط. وإذا لم تسيِّج هذه الأدوات وتؤطر جميعَ ما يميز الإنسان فإنها من أهمّ أدوات وأسباب تقدمه أو اندحاره!

مستشار أعلى هندسة بترول