آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

فجأة افترقنا

سوزان آل حمود *

اليوم وفي سهولة العلاقات واقتراب النّاس من بعضهم البعض وانتهاءِ قضايا تباعدالمناطق من هجر وقرى وغيرها والاقتراب من المدينة المشحونة الضّاغطة فمن نصاحبومن نختار؟! أصبح اختيار الصديق الصالح كاختيار شريك الحياة فاختيار الصاحب الصالح في هذا الزمان ليس بالأمر السهل ويجب أن نختاره في تأنّي وهدوء لأن هذا الصاحب إما أن يقودك إلى الجنة وإما إلى الجحيم فمن المعايير التي يجب الالتفات إليها أن يكون صاحب أمانة ووفاء وأن يكون صادق فالصادق لا تجده إلا في فرض يؤديه أو عمل يعمل فيه وكذلك حثَّ ديننا الحنيف «الإسلام» على اختيار الصحبة الصالحة والارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكّروك وإذا ذكرت أعانوك وقد ضرب نبينامحمد ﷺ وصحبه وسلم مثلاً لتأثير الرفقة والمجالسة في حياة الإنسان وفكره ومنهجه وسلوكه فيما رواه عنه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله ﷺ وصحبه وسلم: «إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْتَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًاخَبِيثَةً» متفق عليه.

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

هناك تكون الفاجعة عندما يكون لديك صديق وكنت تعده صدوق وفجأة يبتعد عنك! ولميكن هناك أسباب مما يدفعك للتفكير في مليون سبب، يا ترى لما افترقنا؟ وتستمر تبحث عن جواب...

إن شر الناس ذو الوجهين... الذي يأتي هذا بوجه، وهذا بوجه، وينقل كلام هذا لذاك على سبيل الإفساد بينهما، وقد يتقوّل على أحدهما ما لم يقل، فيجمع بين النميمة والبهتان.

والوشاة كثيرون وغايتهم معروفة التفرقة بين: الاصدقاء، الاخوة، الازواج،......الخ

يُفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر والشيطان!!!

لراحة بالك وسلامة قلبك، اجعل لك حدوداً خاصة لا أحد يتجاوزها معك، في مشاعرك ومستقبلك ومصلحتك وما ترتاح له نفسك، غادر كل مكان لا يحترم وجودك، ليس كل نقاش يستحق أن تضيع فيه كلماتك، احذر أن تستهلك نفسك وأجمل ما فيك في الهوامشوالمعارك الخاسرة والأشخاص الخطأ في حياتك.

وتحضرني قصة رائعة من قصص العرب الخالدة في الجاهلية وقبل الإسلام ما ذكره ابن قتيبة حيث قال: -

كان بين حاتم الطائي وبين أوس بن حارثة ألطف ما يكون بين اثنين من محبة وصداقةعميقة، فقال النعمان لبعض جلسائه: - لأفسد بينهما، فدخل على أوس وقال: - إن حاتميزعم أنه أفضل منك، فقال: - أبيت اللعن صدقت لو كنت أنا وأهلي وأولادي لحاتم لوهبنافي يوم واحد. وخرج ثم دخل على حاتم وقال له مثل ذلك، فقال: صدق وأين أقع من أوسوله عشرة ذكور أدناهم أفضل منى، فقال النعمان: ما رأيت أفضل منكما وكفيتم العربفخراً.

ونجد هنا أن الواشي النعمان لم يستطع أن يصل إلى هدفه وأن يفتن بين حاتم الطائيوصديقه وأن يشعل فتيل الفتنة بينهما وذلك لأن كلامهما يتسم بدماثة الخلق وطيبالخصال ومن أبرز ما اتصفوا به من الإيثار وخلو القلب من الحقد والغيرة والحسد، والوشاية من السلوك السيئة التي من شأنها أن تأجج نار الفتنة بين أعز الأصدقاء فإذااتصف أحدنا بمثل ما اتصف به كل من حاتم وصديقه لعاد كل واشٍ وكاذب إلى بيته، وهنا تتبين حكمة الشخص وحنكته في التعامل مع مثل هذه المواقف وعدم التصديقالسريع والاستعجال بالرد مما يجعله ثابتاً حكيما راقياً لا يتأثر بكلمات تلوكها ألسنالحقد والغيرة.

يا أحبتي هل وجدتم الاجابة على التساؤلات حين يتفرق عنكم الاصدقاء والأحبة فجأة؟!

‏وفجأة يتبدل الحال، ربَّك قادر، يجب علينا أحبتي أن نعلم أبناءنا منذ الصغر أن الوشاية والكذب هما رذيلتان من أسوأالرذائل؟ أليس التشهير وتلطيخ السمعة جريمة يحاسب عليها القانون في جميع الدول المتحضرة؟

قال الشاعر:

مَا ذَاقَتِ النَّفْسُ على شَهْوَةٍ

أَلَذَّ مِنْ حُبِّ صَدِيقٍ أَمِينِ

مَنْ فَاتَهُ وُدُّ أَخٍ صَالِحٍ فَذَٰلِكَ الْمَغْبُونُ حَقَّ يَقِينٍ.

قال تعالى: «الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ» «الزخرف: 67».

وَفَّقَنا اللهُ وإِيَّاكم لاختيار الصحبة، الزوج /ة، الصالحة، التي تنفعنا في الدنياوالآخرة.