آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

سرقة الجهود

محمد أحمد التاروتي *

يعتمد البعض الية السرقة بمختلف اشكالها، بحيث تتجاوز الطرق التقليدية للاستيلاء على أملاك الاخرين، لتشمل الإنجازات والبحوث وكذلك الابتكار والاقتراحات، وغيرها من الممارسات غير الأخلاقية، فهذه الممارسة ”الوضيعة“ تارة تبرز كمرض ذاتي يصعب السيطرة عليه، وتارة أخرى مرتبطة بمحاولات التزلف والتقرب من أصحاب القرار، مما يدفعه للسطو على الاخرين بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

السرقة مرفوضة بمختلف اشكالها، فهي تدخل في باب التعدي على الاخر، بالإضافة الى كونها ”كاشف“ لحقيقة الانسان، وقدرته على عدم الانصاف، والاعتراف بعجزة، وعدم قدرته على مجاراة الاخرين، مما يدفعه لانتهاج الطرق الملتوية، والعمل على الظهور بمظهر مغاير تماما للواقع الحقيقي، الامر الذي يحفزه على اختيار الممارسات ”الوضيعة“، في التعاطي مع الاخرين، خصوصا وان الاعتراف بالعجز يكشف القدرات والإمكانيات المتواضعة، مما يدفع لمحاولة تقمص واقعا مختلفا عبر سرقة الجهود، من خلال استخدام مختلف الطرق في سبيل الاستيلاء على إنجازات المحيط القريب.

استخدام النفوذ والاستفادة من الصلاحيات الممنوحة، تمثل اسهل الطرق لممارسة ”السرقة“، خصوصا وان النفوذ يمكن أصحاب النفوس المريضة، من التعرف على الكثير من الاسرار، وكذلك الاطلاع على العديد من الأفكار والإنجازات، الامر الذي يدفع باتجاه ”تجيير“ تلك الإنجازات للذات، سواء بطريقة مباشرة عبر الاستيلاء المباشر عليها، او من خلال استخدام وسيلة ”الجمع“، والابتعاد كليا عن الشفافية، وتسمية الأشياء باسمائها، الامر الذي يحدث حالة من الانكسار لدى أصحاب تلك الإنجازات، جراء السرقة الواضحة في وضح النهار.

الإحساس بالعجز بمجاراة الاخرين، يحرك النفوس المريضة باتجاه الممارسات غير الأخلاقية، خصوصا وان الوصول الى القمة مرتبط بامتلاك الكفاءة، والقدرة على الابداع، والتحرك بالاتجاه المختلفة، وبالتالي فان الحصول على تلك المقومات ليس متوافرا لدى الجميع، جراء تفاوت الإمكانيات لدى البشر، فهناك فئات تواجه شللا شاملا في التفكير، بمجرد بروز بعض المصاعب، مما يجعلها حائرة وغير قادرة على إيجاد الحلول المناسبة، فيما تجد بعض الفئات في المصاعب فرصة سانحة للانجاز، والتحرك بطريقة غير تقليدية، مما يدفعها للبحث عن الحلول، والحصول على الأفكار الإبداعية، وبالتالي فان الاستيلاء على تلك الحلول يمثل الحل المتاح، لدى أصحاب ”العقول المتواضعة“.

الخداع عملية مؤقتة، وليست دائمة، انطلاقا من قاعدة ”حبل الكذب قصير“، وبالتالي فان إمكانية تمرير بعض السرقات عملية واردة، وغير صعبة على الاطلاق، بيد ان الاستمرار في الخداع عملية صعبة، خصوصا وان اكتشاف الكذب لا يحتاج للكثير من الجهد، بمعنى اخر، فان الاختبارات الحياتية تمثل الميدان الحقيقي لاكتشاف الحقائق، فالطرف الصادق لا يجد صعوبة في تجاوز الصعاب، بخلاف الكاذب فانه يصاب بالحيرة، وعدم القدرة على التحرك، الامر الذي يقود الى فضحه وانتهاء لعبة الكذب.

لعبة سرقة الجهود تكون مسلية، ومغرية في البداية، ولكنها تتحول الى ”سم“ و”علقم“ بعد فترة وجيزة، فالفرحة المصاحبة للمديح والحصول على المناصب، ستبقى مؤقتة، بيد ان التبعات المترتبة على ”المديح“ كبيرة للغاية، فالعقول ”الفارغة“ غير قادرة على العطاء باستمرار، مما يضع أصحاب ”السرقة“ في زواية حرجة للغاية، نظرا لعدم القدرة على تقديم المزيد من الأفكار، والاقتراحات الإبداعية، سواء نتيجة محدودية الوصول الى جهود الاخرين، او بسبب احجام الأطراف الأخرى، عن التعامل مع هذه النوعية من البشر، وبالتالي فان نهاية لعبة ”السرقة“ ستكون مأسوية على أصحابها، الامر الذي يسهم في تفجير فضائح من العيار الثقيل، خصوصا وان ممارسات السرقة لا تقتصر على جوانب محددة، ولكنها تدخل في الكثير من مناحي الحياة.

كاتب صحفي