آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

حرب اللقاحات

محمد أحمد التاروتي *

تدور حرب ضروس بين الشركات المنتجة للقاحات كورونا، بهدف الاستحواذ على الأسواق العالمية، نظرا لارتفاع شهية الدول العالمية على شراء الكميات الكبيرة، من تلك اللقاحات لتأمين أسباب العودة الطبيعية، خصوصا وان استمرار الاغلاقات والمخاوف من انتشار العدوى، تحول دون عودة الدورة الاقتصادية، وتفاقم الخسائر الاقتصادية على مختلف الدول العالمية، لاسيما وان الاقتصاد العالمي ما يزال تحت وطأة الانكماش، الناجم عن تعطل الكثير من المفاصل الاقتصادي، على خلفية توقف التجارة البينية العالمية في بداية انتشار الوباء، وتقلصها بشكل كبير منذ عام تقريبا.

حرب اللقاحات تبرز على اشكال مختلفة، فتارة تكون بواسطة التشكيك في جدواها، وفاعليتها في توفير المناعة من العدوى، وتارة أخرى عبر التشكيك في حصولها على التراخيص المطلوبة، وتارة أخرى في نوعية تركيبة تلك الامصال، وغيرها من الوسائل الأخرى الساعية لبث الرعب في النفوس، لاسيما وان الشركات المنتجة لتلك اللقاحات تحاول استغلال الظروف الحالية، لتضخيم الموارد المالية، والعمل على زيادة الربحية، نظرا لارتفاع الطلب على شراء اللقاحات بكميات كبيرة، الامر الذي يدفع البعض لمحاولة الترويج لبعض الامصال، والعمل على زرع الشكوك في فاعلية اللقاحات المنافسة.

المنافسة المستعرة بين شركات اللقاحات، تتخذ اشكالا وأساليب متعددة، بحيث تتجاوز الاطار الضيق للمنافسة التجارية المعروفة، ولكنها تدخل في باب توسيع النفوذ السياسي، فالدول المنتجة لتلك اللقاحات تحاول استخدام هذه الورقة، في الضغط على بعض الدول الأخرى، لتفضيل أسماء تجارية على حساب أخرى، فتارة عبر التهديد المباشر بقطع المساعدات، وأخرى باستخدام الوسائل الإعلامية، بغرض بث المعلومات المغلوطة، مما يتسبب في بث الرعب النفوس، مما يتسبب في تعميق الخلافات بين الدول المنتجة للقاحات، جراء ”تسييس“ اللقاحات، واخراج المنافسة من اطارها التجاري.

تلعب الماكنة الإعلامية دورا كبيرا، في إزاحة بعض اللقاحات من دائرة الاهتمام العالمي، من خلال الترويج لبعض الدراسات الداعمة لقدرتها، في توفير المناعة اللازمة، مما يدفع الشركات المنتجة للقاحات المنافسة للتحرك في الاتجاه المعاكس، بهدف إعادة الاعتبار لاسمها التجاري، عبر التشكيك في قدرة اللقاحات الاخرى، من خلال الترويج الإعلام، ي وتوظيف مختلف الوسائل المتاحة، لزيد الطمأنينة في النفوس مجددا.

تخصيص الكميات المجانية للدول الفقيرة، تدخل ضمن حرب اللقاحات، حيث تسعى الدول المنتجة للامصال لتوسيع نفوذها السياسي، وتكريس مصالحها الاقتصادية عبر بوابة ”كورونا“، فهذه الدول تحاول استغلال الظروف الراهنة، وعدم قدرة بعض الدول، على تحمل تكاليف شراء كميات اللقاحات، من خلال ”التبرع“ واظهار الوجه الإنساني، والتحرك الجاد للتخفيف من المعاناة، وبالتالي فان مسلسل حرب اللقاحات القائم حاليا يتخذ اشكالا مختلفة، خصوصا وان الدول المنتجة للقاحات تحاول كسب الجولة، والخروج بالانتصار السياسي، وتفادي التعرض للانتكاسات في الحرب المستعرة حاليا، بمعنى اخر، فان حرب اللقاحات التي اطلقتها الشركات تجاه المنافسين، لن تقف عند حدود ”المنافسة الشريفة“، نظرا لمحاولة الدول الاستفادة من الامصال، في توسيع النفوذ السياسي والاقتصادي، على حساب الدول الأخرى.

تسخير الازمات الإنسانية للمصالح السياسية، يظهر الوجه القبيح لبعض الدول المنتجة لامصال كورونا، خصوصا وان عمليات التشكيك في فعالية اللقاحات، تتجاوز الاطار الأخلاقي أحيانا، لتدخل في ”بازر“ المساومة السياسية، لاسيما وان عملية توفير اللقاحات مرتبطة أحيانا، بتقديم بعض التنازلات السياسية، مما يسفر استحواذ بعض الدول على كميات كبرى، فيما تواجه الكثير من الدول صعوبات، في توفير اللقاحات اللازمة، لاطلاق حملات التطعيم، الامر الذي دفع منظمة الصحة العالمية للتحذير من ”انانية“ الدول الغنية، في الاستحواذ على الجزء الأكبر من اللقاحات، على حساب الدول الفقيرة، خصوصا وان الفترة الماضية سجلت انحسارا كبيرا، في التوزيع العادل في تخصيص اللقاحات على المستوى العالمي.

كاتب صحفي