آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 12:36 م

الشروق والغروب في حياة البعض

المهندس أمير الصالح *

عام 1998، كنت اقطن لعدد من الشهور في أحد المدن الأمريكية الكبرى، وكان في الحي السكني مركز تجاري عربي وحيد حيث تتوفر المواد الغذائية الملائمة لإعداد أطباق وموائد الأكل الشرق اوسطي. وتقطن كثافة سكانية جيدة من عوائل ذات أصول عربية في ذات الحي. مالك ذلك المتجر، رجل من أصول عربية وكان كثير التفاخر إلى الحد الممل بأنه صاحب المحل العربي الوحيد في المنطقة والمحل الوحيد الذي يجلب اللحوم المدموغة بدمغة ”حلال“. إلا أن مستوى خدمات المحل تتدحرج من سيئ إلى أسوء وأسلوب العرض للبضائع رديئ، وأغلب الموظفين لديه متجهمين الوجوه وكسالى والسائد منهم شعور تفوح منه الغرور وبأن الزبون الشرق اوسطي سيرجع للابتياع منهم مهما انحدرت خدماتهم وساءت تصرفاتهم.

ظل هذا التعامل البائس سائد لفترة غير قصيرة من الزمن، حتى أتى مواطن أمريكي آخر من أصل عربي وافتتح محل تجاري في ذات القطاع وراعى في خدماته كامل المذاق الشرق اوسطي في السلع واللحوم الحلال كما وراع تطبيقات أصول خدمة الزبون وتفنن في الاخلاقيات العالية أثناء وبعد البيع. فاشرق نجم وافل نجم آخر في ذلك الحي. هنا استشعر صاحب المركز التجاري الأول بالخطر متأخراً وبعد أن نزح جُل الزبائن إلى المتجر الجديد ايامذاك؛ فاغلق صاحب المتجر الأول أبوابه ورحل دون أدنى أسف من أبناء الجالية على متجره أو بضاعته او خسارته.

ذاك الموقف المذكور عن أصحاب المتجرين، استشهدت به كمدخل للوقوف على أمر يمكننا المقارنة معه، وهو أن هناك في الحي الذي قد تقطن فيه أو اقطن فيه أو مكان العمل الذي نعمل به من يتبجح ليل نهار بأنه من أبناء السلالة الفلانية أو من العائلة الكذائية العالية المقام. إلا ان سلوكيات وتصرفات ذاك المتبختر السخيفة وما يصدر منه أو من أحد أبناءه من أعمال فيها إيذاء مستمر إتجاه الناس والجيران، فضلاً عن تطاوله في بعض المجالس لفظا أو تجريحاً أو مطالبته المستمرة بالتعامل معه بتميز على حساب كرامة ومصالح الاخرين.

قد أقول قد يقابل البعض من كبار السن سيئات أولئك الساقطين اخلاقياً بحفظ الإحترام لاسم عائلته أو جذور سلالته وغض الطرف عن الزلات المتكررة من ذاك المتباهي. وقليل من الناس يزجرون المتباهين أو يوعضونهم؛ والأغلب من أبناء المجتمع يتفادوهم أو يجاملونهم.

شخصياً أرى بأنه حتماً ويقيناً وجزماً أن استشراء سلوك التطاول في الإيذاء بعنوان التفاخر المفرط أو الإزعاج للآخرين بغطاء الألقاب أو أي تصرف غير لائق بغطاء التمترس بالامتداد النسبي أو إسم العائلة الفلانية، سيجعل عدد ليس بالبسيط من الناس ينفرون من أولئك وامتداداتهم حيثما وجدوهم. وحينذاك سيأفل نجم قوم وسيشرق نجم قوم آخرون كما حدث في قصة صاحب المتجر المتغطرس.

وحينذاك لا عزاء لمن خسر الآخرين بسبب تدني أخلاقه وقلة ذوقه وكثرت سقطاته وتنمره على الناس من حوله واستغلاله إحترام الناس المفرط لنسبه أو لجاهه المالي أو منصبه الوظيفي. اخلاقياً الانتساب للنسب العالي يستوجب خصال حميدة وسلوكيات راقية وتواضع جم ومن صادق الترجمة لذلك حفظ وإحترام حقوق الناس وبالخصوص الجيران والأبتعاد عن أي سلوك غير لائق من ازعاج أو كلام فاحش في اللفظ أو الفعل أو الايماء.

لم ولن يُخدع الواعون من الناس في الفصل بين الشخص وجذوره في السلوك والمعاملة. وحتما الأغلب من الناس يعلمون بأنهم مطالبون أخلاقيا بأن لا يزروا وازرة وزرة آخرى. ولن يُشفع لأولئك العابثين سلوكيا والمتعمدين التبجح على بسطاء الناس بالادعاء بأنهم امتداد لنسب معين أو قبيلة معينة أو جاه مالي مميز بأن توصد الأبواب في وجوههم أن تمادوا في أقوالهم أو أفعالهم.

الإنسان الواعي يُدرك بان من استخف بحقوق الناس ممن يشاهرون بأنهم الانقى معدنا، أولى بإنزال العقاب الرادع في حقهم بأسرع وقت من طرف كبرائهم ومن ذويهم وارحامهم اولا، فضلا عن أبناء المجتمع الناصحين.

روى عن الإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام وهو يخاطب أحد أصحابه: القبيح منك أقبح لقربك منّا. ونُقل ايضا فيما معناه على لسان الإمام زين العابدين إبن السبط الحسين : خُلقت الجنة ولو لعبد حبشي وخُلقت النار ولو لسيد قرشي.

وهنا وقفة مصارحة وهمسة مع آباء من يتفاخرون على الناس ليل نهار بأنهم من أنساب عريقة، وكل الناس أبناء آدم، بأن يوجهون ويحضون أبناءهم /هن بأن يسعون بين الناس بالأخلاق الحميدة والمعاملة الطيبة والتواضع الجم وليس بغرس التفاخر الفاجر والترفع المصطنع ووهم الأفضلية دونما أي صنيع.

لقد ضجر الكثير من الناس مما يسجلونه من مشاهد لتعد على مكانتهم وبخسهم قيمتهم المعنوية والتفريط في انتاجهم العلمي من قبل بعض أبناء وأحفاد المتباهون بأنهم من الأعراق العتيدة. تاريخ الامم الغابرة وتجاربهم تؤكد بحقيقة إنه في حالة انتشار إستغلال السخفاء أو أبناءهم وتنمر منعدمي الإحترام وتنامي متناقضي القول وإزدياد تعداد فاجري الفعل وإقصاء الأكفاء من المخلصين واختفاء النقد البناء وانعدام التوجيهات الجادة واندثار التنبيه الحازم، سيقوض البناء الاجتماعي الواحد من الداخل وإن طال الزمن.

وفي أقل تقدير سيزيد هكذا أفعال مساحة الشعور بالطبقية الإجتماعية على اسس متعددة إلى جانب الطبقية المالية ويزيد التشرذم الداخلي والاصطفافات المتناثرة. نعلم بأنه في المجتمعات الواعية يُكبح جماح أولئك المنتفعين والمتمادين على كرامة وحقوق الناس وتُقلم افعالهم بالردع الإجتماعي والحوكمة الاجتماعية والمحاسبة الداخلية ودونما اسفا على افول أولئك المتغطرسين واندراس اسماءهم.

امتثالا لقول مانسب في حق نبينا الكريم: ”المرء يُحفظ في ولده“، ومصداقا لحبنا الشديد واحترامنا الكبير لصانعي المجد العال للأمة فان الإحترام الجم امتد ويمتد لكل من لديه انتساب للبيوت العريقة والعوائل الماجدة والأعراق الطيبة وسيبقى وينمو وفاءا وعرفان بالجميل نحو من كل من ساهم في زرع المجد من أصحاب الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن والقول الجميل والصنيع الراقي والجهد الوفي.

نسأل الله أن يستفيق النوام من داخل تلكم الأسر ويرشد العقلاء منهم أهل التطاول من أفراد عوائلهم وأبناءهم لما صدر ويصدر من أبناءهم أو احفادهم من استخفاف بحقوق الناس من جهة وتدنيس في حق النسب الرفيع بخساسة الفعل الوضيع من قبل بعض ابناءهم قبل ان يفلتون بافعالهم ويوصم الجميع بفعلهم/ هن.

ففي الوقت الذي لا يتصدر اهل الشأن في الحفاظ على مكاسبهم، ستأفل نجوم اعمالهم بدامس ظلام افعال بعض منسوبيهم. فالعقلاء يقولون: الأولى إلزام الإنسان أبناءه بما ألزم الناس به من طيب المعاملة وحسن الجوار والوفاء بالحقوق.

ملحوظة: نحن نعتز بكل الأعراق والقبائل لجميل ما صنع ويصنع الأوفياء للمجتمع من أبناء كل القبائل بغض النظر عن نسبهم أو قبيلتهم فخيركم خيركم لعباد الله ونتمثل مشروع رسول الله: لا فرق بين... الا بالتقوى.