آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

إطلالة على إشراقات قمر بني هاشم

ورد عن أمير المؤمنين في حق ولده العباس: إن العباس بن علي زق العلم زقا»[1] .

التعرف على شخصية العظماء من أهم طرق تربية النفوس باستخلاص الدروس والعبر من كلماتهم ومواقفهم، والتي تمثل هديا ومرشدا لا يمكن الاستغناء عنه في دروب الحياة وبناء النفس المتكاملة المتصفة بعناصر القوة، ومن تلك الطرق لمعرفة مكنونات هذه الشخصيات هو ما يصدر بحقهم من شهادات ذهبية من الأئمة الأطهار تفصح عن جوانب السمو والعلياء عندهم، وأمير المؤمنين يوقفنا على جانب مهم من صفات بطل من أبطال الإسلام والتي أبانت ساعات الشدة عن معدنه الأصيل وهو قمر بني هاشم العباس بن علي ، فهذه الشخصية لا يمكننا المرور على ذكرها مرورا عابرا دون البحث المعمق في مثل هذه الكلمات الكاشفة عن جمال روحه وأخلاقه.

فمن جوانب العظمة في قمر بني هاشم هو جانب المعرفة وامتلاك مقومات الفهم والوعي والبصيرة، والتي تجعل من الأحداث والمواقف - مهما كانت متلبسة بالشبهات والفتن - أن تكون واضحة في عقله، وهذا ما يشهد به موقف الصمود والبسالة والتمسك بالحق والدفاع عنه دون مبالاة بما سيواجهه من بطش، فهذه الشخصية العظيمة أحد أسرار كمالها هو ذلك الوعي والبصيرة الإلهية المعبر عنها بزق العلم، فزق العلم ليس بإشارة للعلم المكتسب والتدرج في مراحل التعلم، بل هو إشارة للعلم الإلهي اللدني والنور الذي يقذفه سبحانه في روعه وفكره، وهو تعبير عن بلوغ أعلى درجات الكمال وطهارة النفس في درجة تحت درجة المعصومين «العصمة الصغرى»، وهو انطباع دقيق عما يحمله من حصيلة فقهية تفصح عن معرفته بأحكام الله تعالى وما أنزله في محكم كتابه المجيد، فكل تلك المعارف التي جناها العباس لم تكن بالطبع وليدة ذهنية وقادة وعقل يمتلك آلية الحفظ وأدوات الفهم والاستنباط والاستنتاج لوحده، بل كانت أشعة معارفه مزيجا من التعلم على يدي أئمة زمانه الذين عاش في أكنافه يغذونه من علومهم الإلهية، وبين ذلك الإشراق المعرفي الإلهي والعناية الخاصة بالعبد الصالح المؤهل للقيام بمهمة المساندة في حركة الإصلاح الحسيني، والتي تحتاج إلى نماذج متميزة من الأنصار الذين يتصفون بالمعرفة والاستقامة والثبات والورع، ولعل كلمة أمير المؤمنين بأن العباس زق العلم إشارة لكل تلك الدلالات الخاصة في حصيلة العلم الإلهي عنده، فالعباس صاحب وعاء نظيف قابل لتلقي المعارف واستقرارها فيه مع حركية لها في استكشاف الحق في المواقف والأحداث، كما هي إشارة للبيئة الإيمانية التي صقلت شخصيته بأسس الشموخ والشجاعة ونفاذ البصيرة وصلابة الإيمان والموقف من جهة أبيه وأخويه الحسنين وأمه أم العفاف والفقاهة والطهارة أم البنين ، كما لا يخفى التسديد والهداية الخاصة لمن أحسن وجاهد نفسه وجاهد في سبيل الله فكان ذلك الدر الثمين ، كيف والعباس صاحب الحنكة والفطنة والأذن التي تعي ما تسمع وتنطق بما يفقه، فاجتمعت فيه الفضائل وازدهرت فيه خصال ومكارم الأخلاق الحميدة.

وأما الداعي إلى هذا المديح من أمير المؤمنين على شخصية العباس فكان للإشارة للدور البطولي والملحمي الملهم في الأمة والذي سيشارك فيه العباس بكل قوة واقتدار، فيكون ذلك الشجاع العارف الذي يتأسى به أهل الإيمان من خلال الانفتاح الفكري والسلوكي على سيرته وصفاته لاستنباطها والتحلي بها؛ لتكون تلك الأحداث والمحطات في حياته وخصوصا في واقعة الطف وما ظهر من بصيرته وصدق إخوته وقوته في الحق وشدة مواساته وبأسه ضد الأعداء عنوانا بارزا في صحيفة السائرين على نهجه، وخير معين في معرفة شخصيته هي كلمات المعصومين في حقه، والتي تعطي صورة واضحة وقراءة معمقة لشخصية متكاملة الملامح والأبعاد.

[1]  «أسرار الشهادة للدربندي ص 324»