آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

فشل أبنائي ليس مقياس نجاحي - سلسلة خواطر متقاعد

معاذَ الله أن يكونَ في هذه الكلمات دعوة لعدم تربية ورعاية الأبناء، بل العكس من ذلك ما أردت، بحيث نكون مثل الزَّارع يحرث الأرضَ وينقِّيها من الشَّوائبِ والحشائش الضَّارة ويغذِّيها بالسَّماد، ثم يزرع ويسقي. فإذا بانَ الزرعُ وافرًا حمدَ اللهَ وشكره، وإذا جاءَ الزرعُ مخيبًا لآمالهِ فلا يحرق الأرضَ ولا يلومنَّ نفسه، ويستعد لفترةِ الزَّرع القادمة.

كلّنا كبار السِّن نربط مقياسَ جودةَ حياتنا ونجاحنا بنجاح أولادنا وبناتنا، فإذا نجحوا نجحنا، وإذا فشلوا قامت قيامتنا ومتنا كمدًا وكأنَّنا نحنُ الذينَ فشلنا، وليسَ هم! ابني لم يدخل الجامعة، بينما أنا قضيتُ وقتي وبذلتُ جهدي وصرفتُ مالي في تعليمه. استثمرتُ ساعات اللَّيالي والأيَّام في مرافقته ومراقبته، ولم ينجح، فبالتالي فشلهُ ليس فشلي. هو من فشل وسوف يعرف في قادمِ الأيَّام أنَّ عليهِ تدبيرَ حياته. أمَّا أنا فلن أظلَّ معه للأبد، وهو سوف يبقى من بعدي. وبينما أنا الآن محروق ومصدوم، هو يعيش حياتَه وكأنّ شيئًا لم يكن!

ابني لم يجد عملًا، فهل أنا فشلت؟ لا، لأنني أعطيته الأدواتِ التَّعليمية والتَّثقيفية ومهارات البحث عن عمل. وهو من عليه أن يخرج من المنزل ويبحث عن عمل، وليس أنا. وإن لم يجد عملًا، عليه أن يفكر في مخرجٍ يقوده نحوَ المستقبل، لأنني لن أعيشَ معه للأبد. وبينما أنا أفكِّر وأبحث واستخدم كلَّ واسطة، هو يعيش حياتَه بكلِّ ثقةٍ وطمأنينة.

ابنتي الصغرى لم تتزوج بعد، سوف يأتيها دورها ونصيبها في الحياة، وليس عليها أن تستعجل لترتمي بين يدي أوّل فاشلٍ تقدَّم لخطبتها. أنا علَّمتها وأدَّبتها، واللهُ يقسم لها ما يشاء. وبينما أنا أعيش في قلقٍ ويأسٍ وخوف من أن يفوتها القطار، هي لا تبالي وتعيش حياتَها بكلِّ تفاصيلها السَّعيدة. إذًا، لماذا أنا من عليَّ أن أعاني وأقلق؟ ليس في قاموسِ الآباءِ والأمَّهات شرط التخرّج أو الزواج أو العمل، بل التَّأهيل وإعداد العدَّة لمن يرغب، والله يرزق من يشاء، وبالتَّالي لستُ أنا من عليَّ أن تتعطل حركةُ حياته.

ابني لم يتزوّج، ابني لم يُنجب، بنتي تطلَّقت. كلها تُحل حينَ يأتي دورها ويأذن اللهُ بحلِّها، فقط هيِّئ وساعد، وأنت تعيش حياتك. لا تضعها على الرّف بانتظار حدثٍ ليس في يدك. وإن لم يحصل بتاتًا فأنتَ لم تفشل ولا تلومنّ نفسك.

الأبناء والبنات، فشلهم ليس مقياسًا لنجاحنا، بل نجاهم مقياس لنجاحنَا. ولكلِّ قاعدة استثناء، أنبياء وأولياء وأبدال لم ينجح أبناؤهم ولم يقيسوا ولم يعدُّوا فشلَ الأبناء فشلًا لهم، والله والناس أيضًا لم يعتبروا هذهِ الجزئيَّة من حياتهم هي المعيار والمقياس الكلِّي. وأنا وأنتَ لسنا أقدر من نوحٍ وإبراهيم ولوط في إصلاح أقربِ الأقربين منهم.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
منير
[ تاروت ]: 27 / 3 / 2021م - 3:24 م
لا فُضَّ فوك ولا نثرت أسنانك يا ابو علي دائما انت مبدع حقاً
مستشار أعلى هندسة بترول