آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ناطرينك يا سيِّدنا اللَّيلة - سلسلة خواطر متقاعد

المهندس هلال حسن الوحيد *

في كلِّ ليلة 15 شعبان منذ سنواتِ الطفولة نبحث عن كيسٍ كبير نجمع فيه ما يعطينا إياه بيوتوتاتُ الجيران من الحلويَّات والفولِ السُّوداني. نكبر وتكبر أحلامنا بأن يأتي هذا السيِّد الموعود في ليلةٍ من لياليه، ويعيد لنا الأملَ الذي نبحث عنه منذ الصغر كما بحث عنه من قبلنا ويبحث عنه من بعدنا.

ولسببٍ ما أنا أسمِّيه المُنتَظِر بكسر حرفِ الظَّاء، وليس المنتظَر! اسمٌ أو لقبٌ أعني به أنه ليس غائبًا، بل هو ينتظر لحظةَ أن تكتملَ العدَّة وتكون الدّنيا في حالِ مخاض، بعده تلد الكمالَ البشريّ، الذي لم يَحن أوانهُ بعد. ما غابَ ولا اختفى، بل نحن - الناس - من اختفينا عنه وحجبتنا عنه غشاوة، إذا ما انقشعت رأيناه وقلنا له: تعالَ نحنُ معك لن نخذلك. أما الآن، لنا أن نفرح ونتكفي بأطنانِ الأرطالِ من الحلوى والفول السُّوداني ونقدم عرائض أمانٍ وضمان له من الخذلان.

علِّموا صغاركم الفرحَ في ليلةِ 15 شعبان، لأنهم عندما يكبرون سوفَ يجدون أوّل ما يتعلقون به هو الأمل في قلوبهم لا في عقولهم. لن يجدوا مشكلةً في العقلِ والمنطقِ والتحليل، بل في المشاعرِ والعواطف:

لو كنتَ تصدق حبَّه لأطعته ** إن المُحبَّ لمن يُحبّ مطيعُ

علِّموهم أن كلَّ عناوين وعلاماتِ الخروج لن تنفع الذي لا يصدِّق أن مسيرةَ الكون لابد أن تصلَ إلى محطَّة الكمال، وهو في نفسه وذاته وعمله يبحث عن الكمال، فقط لأنَّ قلبه لا يرتاح لكمالِ الكون كله! لا تدرِّسوهم علامات ظهور أو خروج رجلٍ لا يعرفونه، بل عرفوهم الرجلَ ذاته وسوف يعرفون علامات خروجه. علِّموهم أنَّ الأملَ والتمنِّي لا يجدي دون عمل وأنَّ الأمل الفارغ أسوء حقنة تخدير، تقعد بهم عن النهوض.

معلومٌ أنه قد دنا قدوم الضِّياء، فقد اشتدَّ الظَّلام، وعلينا معرفة الطريق. فإذا رغبتَ يا سيِّد أن ترينا طريقَ الخروجِ من العتمة، فهذا مبتغانا. وإن كنتَ لا ترى أنَّ الوقتَ حانَ، فكل الرجاءِ أن تدعونا أمواتًا في قبورنا ونعود لنحمل المشاعلَ بين يديك ويتبدَّد الظَّلام.

كل التَّهاني لمن أحبَّ هذا السيِّد المولود في هذه اللَّيلة، ولكل من عقدَ عزمه على محبَّته واتِّباعهِ وانتظاره واشتاقَ إلى طلَّته وطلعته. وكل التَّهاني والتَّبريكات لجدِّه النَّبي محمد صلى اللهُ عليهِ وآله، الذي بشَّر به، ولجدِّه عليّ وجدَّته فاطمة ولآبائه وأمهاته عليهم السَّلام، ولكم جميعا.

مستشار أعلى هندسة بترول