آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:10 م

الكنار «النبق»

المهندس أمير الصالح *


كنت في طفولتي ضمن أبناء الجيل الذي قطف ثمرة الكنار من شجر السدر المتدلية غصونها خارج بساتين متناثرة في واحة الأحساء الوادعة. ومن ابناء الجيل الذي مشى بين النخيل الباسقات على امتداد القرى الشمالية والشرقية في واحة الأحساء حيث قرى البطالية والقارة والتويثير والدالوة والجبيل والحليلة وبني معن والمنيزلة والجفر بقصد التنزه أوالترويح عن النفس أو استذكار الدروس أيام الاختبارات النهائية. وكنت في طفولتي عاصرت تناول الناس منتجات خيرات أرض الاحساء والتي اشتملت كل شيء حتى الخوج والتفاح والعنب والتوت الرمان وقصب السكر والأرز والبصل والمنتجات الألبان واللحوم بكل أصنافها وحال أقرب إلى صفة الاكتفاء الذاتي في السلة الغذائية. كنت من جيل من استحم بمياه عيون طبيعية وفيرة: مثل عين الجوهرية وأم سبعة والحارة وأم خريسان والخدود حيث وفرة المياه الجوفية آنذاك وسلاسة تدفقها. وكنت في طفولتي من جيل أوائل من لمح وجود الرجل الأبيض الأمريكي ذو العيون الزرقاء والفارع في الطول القادم من اعالي البحار للتنقيب واستخراج النفط في ربوع واحة الاحساء واطرافها حيث ملك ملوك الحقول النفطية كما يلقبه البعض: حقل الغوار المبجل؛ وهو الحقل النفطي الاكبر انتاجا ومخزونا في العالم. كنت في طفولتي اشاهد روح البشاشة في وجوه المتسوقين بسوق القيصرية في قلب الهفوف واسمع الكثير من الجمل المعبرة عن الثناء والاطراء المتبادل والتسامح الكبير في البيع والشراء والامتنان لكل فعل حسن بين المتبضعين والباعة في الاسواق. في تلكم الأيام أي سبعينيات القرن الماضي، مع قلة الموارد المالية لدى الاغلب من الناس وتواضع استهلاك كمية الكهرباء في المنازل وتدني مستوى صناعة الترفيه وقلة وسائل النقل الحديثة وقيام الناس بمعظم المهام المنزلية يدويا، إلا أنها كانت بحق أيام جميلة وحياة مفعمة بالراحة النفسية الكبيرة والسكينة والطمأنينة والنشاط والحيوية وتناغم الانسان مع الطبيعة من حوله وسيادة روح التفاهم بين كل الاعراق القاطنة في واحة الأحساء الحبيبة. هكذا صور جميلة عن مسقط رأسي مازالت عالقة في ذهني وتلوح تلكم الصور بين الحين والحين الاخر، لا سيما عندما اسمع اسم مسقط رأسي وموطني «الأحساء» سواء في نشرات الأخبار أو معارض التمور أو معارض الحرف اليدوية التي تُعقد في انحاء العالم أو مؤتمرات النفط الدولية أو عند اطلاق النشرات الدورية عن دراسات المخزون الاستراتيجي للطاقة في العالم أو ادراج قائمة المشاريع العملاقة في مجال النفط والطاقة أو دراسات جودة المياه الجوفية ومخزونها أو اطلاق برامج السياحة الوطنية أو تصفيات مسابقة أمير الشعراء أو قصص رواد فنون الادارة. فالأحساء بالنسبة لي اقرب الى موزاييك بشري فاعل ومتناسق وجميل بجمال جميع أهله وذو طعم خنين يتذوقه كل من له عمق من مشاعر إنسانية نبيلة تتخطى حواجز محور الذات والنرجسية والانانية. بحمد الله، كل المناطق ولادة نجباء ونجباء واحة الاحساء لهم في كل عرس قرص وكل زمن ذكر. فكانت ومازالت واحة الاحساء نعم الخزان البشري في أرض الوطن.

مع طول فترة زمن إغلاق الحدود كأجراء احترازي صحي من قبل الجهات الرسمية، أخذ معظم أبناء الوطن يُفتشون عن محطات سفر داخل بلادنا الحبيبة بهدف الاستجمام والاسترخاء وتجديد الحيوية والترويح عن النفس. وبالفعل انتعش السوق السياحي الداخلي بشكل مشجع وواعد ونتطلع للمزيد من النجاح لهذا القطاع في قادم الشهور والسنين بإذن الله العلي القدير. وكانت ومازالت واحة الاحساء في أعلى قائمة المحطات السياحة الداخلية التي يرتادها سياح الداخل لما تتمتع به من خصائص في الإنسان والبيئة والموقع إلى جانب زهد الأسعار. ففي مجال البيئة هناك: مسطحات خضراء كبيرة إلى جانب الصحاري الممتدة والشواطئ الغضة النظيفة وسلسلة جبال رسوبية مترامية وطقس شبة معتدل يمتد لثمانية أشهر تقريبا من كل عام «من شهر إكتوبر - شهر مارس» وأسواق تاريخية وشعبية متعددة ومطبخ أحسائي مميز بنكهاته المتنوعة وصناعات غذائية محلية متعددة وصناعة في مجال صياغة الذهب وصناعات يدوية احترافية وحياكة بشوت ذائعة الصيت. في مجال الخدمات، هناك: منتجعات متنوعة الدرجات والاسعار الى جانب الفنادق متعددة النجوم تجعل كل طبقات الزائرين يسعدون باوقاتهم دونما أي ارباك في ميزانياتهم المالية. وحس خدماتي مميز وضيافة رائعة حيثما يحل الزائر وروح بشوشة. أنسان الواحة محل احترام الجميع لما يتحلى به من: بشاشة وجه وطلاقة ابتسامته وترحاب شعبي لزائرين والسياح ملفت للتقدير والتبجيل وهذا ليس بغريب فهم من أكثر شعوب الإرض مسالمة وحب وتعلق بنبي الرحمة. إلى جانب كثرة وخصوبة الاحساء ب الشعراء والأدباء والكتاب والرسامون والنحاتون وفي تحيى فيها الكثير من الأنشطة الأدبية التي يصعب سردها هنا.

وهنا أتوقف لأشيد بجهود المخلصين من منسوبي الجهات المعنية ونتطلع وإياكم لتذليل كل الصعاب للمؤسسات والشركات ذات العلاقة لزيادة معدل السياح لإقليم الاحساء. ونتطلع في ذات الوقت أن تمهد كل السبل ليعود المزيد من المزارعين إلى محراثهم منأجل زيادة رقعة المسطحات الخضراء وخلق متنفسات ورئات بيئة أجمل وتسهيل منحهم المزيد من الإراض للزراعة والإنتاج الزراعي. قبل الختام، في ظل تحفيز زراعة المزيد من النخيل والمنتجات الزراعية في واحة التي لطالما اشتهر ابناءها بفنون الزراعة والصناعة الغذائية المشتقة منها والدماثة الاخلاقية في التعامل فاني اناشد اكبر قدر من المزارعين المحليين للرجوع الى محراثهم فهم من كانوا نعم العون والمدد بخيرات الارض بعد تقطع الامدادات لفترات وقت ذروة الجائحة. يعني ختاما، توطين قطاع الزراعة سواء الزراعية أو السمكية يعني استقطابات أكثر وسوق محلي أكبر وتدوير أكبر للعملة داخل الوطن وهذا يتطابق وأهداف برامج ”صنع في المملكة العربية السعودية“..