آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

ولادة الإمام المهدي عرض وتحليل

علي محمد عساكر *

كانت ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه عند طلوع الفجر من يوم الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان سنة 255 هـ  في سامراء من أرض العراق العريق.

وعلى هذا اجماع الشيعة الإمامية ومن قال بولادة الإمام المهدي من غيرهم، لم يخالف في ذلك أحد، وإن كان الشيخ الصدوق في «إكمال الدين» والشيخ الكليني في «الكافي» تاره يذكران أن ولادته عجل الله فرجه كانت سنة 255 هـ ، وأخرى يقولان سنة 256 هـ ، وهذا التنافي بينهما يوجب علينا الأخذ بالمشهور وما اتفقت عليه رواية الجميع بما فيهم الصدوق والكليني.

وكانت ولادته بعد وفاة جده الإمام الهادي صلوات الله عليه بسنة وبضعة أيام، باعتبار أن الإمام الهادي توفي في رجب سنة 254 هـ ، وفي اليوم السادس عشر من تولي المهتدي العباسي الملك، باعتبار أنه تولاه لليلة بقيت من شهر رجب.

قصة الحمل والولادة:

أما خبر الحمل والولادة، فنترك الحديث فيه إلى السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد ، فقد قالت: بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليه فقال: ياعمة، اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا، فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته. قالت: فقلت له: ومن أمه؟ قال لي: نرجس.

قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أرَ بها أثر حمل، فعدت إليه فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر بها الحمل، لأن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحمل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى، وهذا نظير موسى . قالت: فعدتُ إليها فأخبرتها بما قال، وسألتها عن حالها فقالت: يامولاتي، ما أرى بي شيئاً من هذا؟!

قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب، حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة، فضممتها إلى صدري وقلت: اسم الله عليك، أتحسين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمه.

فقلت لها: اجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.

قالت حكيمة: فأخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحس سيدي «المهدي» فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به ساجداً يتلقى الأرض بمساجده، فضممته إليّ، فإذا أنا به نظيف متنظف، فصاح بي أبو محمد: هلمي إليّ ابني ياعمه.

فجئت به إليه فوضع يده تحت اليتيه وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه، وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلم يا بني.

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى أن وقف على أبيه...

وقد استبشر الإمام العسكري كثيراً بولده المهدي عليهما السلام، وعبر عن فرحته الكبرى، وسعادته التي لا توصف بميلاد ولده الميمون المبارك، بأن عقّ عنه بثلاثمائة رأس من الغنم، وتصدق بعشرة آلاف رطل من اللحم وعشرة آلاف رطل من الخبز.

 تعليقنا على هذه الرواية:

ولو أردنا أن نسلط الأضواء على ما جاء في رواية حمل نرجس وولادتها بالإمام المهدي ، فإن أهم ما يمكن أن نعلق عليه يتلخص في ما يلي:

أولا: إن الله تبارك وتعالى أخفى حمل نرجس ولم يظهر عليه أحداً من الناس، وقد علل الإمام العسكري ذلك بأن أمر نرجس مثل أمر أم موسى، لم يظهر بها الحمل، ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى بحثاً عن موسى، والمهدي نظير موسى من هذه الجهة، إذ أن الدولة العباسية كانت تبحث عنه، وتحاول القضاء عليه، والتخلص منه، لإيمانها أنه عجل الله فرجه الشريف يشكل خطراً كبيرا وحقيقيا عليها وعلى مستقبلها.

فلقد كان العباسيون يعلمون أنهم باتوا قريبين جداً من عصر الإمام المهدي، وأن زمانه قد أظهلم، فقد قرع مسامعهم ما قرع مسامع الآخرين من أحاديث متكاثرة متواتره في شأن المهدي، وأنه الثاني عشر من أهل بيت النبوة، وأنه المنتقم من الظالمين، والمنتصر للمظلومين، ومرسي قواعد الحق والعدل في الأرض.

فكان يكفيهم العلم بأن الإمام العسكري يمثل الحلقه الحادية عشر في سلسلة الأئمة الطاهرين ليتيقنوا أن ابنه هو الثاني عشر، وبه يكتمل العقد، وعلى يديه يتحقق الوعد.

كما أنهم كانوا يرون أن الإمام المهدي يشكل خطراً كبيراً عليهم وعلى دولتهم، خصوصاً وأنهم كانوا يعيثون في الأرض فساداً، ويهلكون الحرث والنسل، ولا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة، ولا يتورعون عن منكر فعلوه.

لذا شعروا أن الخطر محدق بهم، ويكاد يتخطفهم من حولهم، فملأ الخوف قلوبهم، ودخل الرعب صدورهم، وأصاب اليأس نفوسهم... فجاء تصميمهم على التخلص من الإمام المهدي، ومحاولة القضاء عليه عن أي طريق كان، ومهما كلف الأمر، وكان الثمن.

ومن هنا وضعوا الإمام العسكري صلوات الله عليه تحت الرقابة المشددة، وأخذوا يحصون عليه حتى أنفاسه، بغية التعرف على ولده المهدي المنتظر، الذي لم يكفوا عن البحث عنه ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، وتحت كل الظروف والأحوال، لا يشغلهم عن ذلك شاغل، ولا يلهيهم عنه شيء أبداً.

وكانت محاولاتهم في ذلك كثيرة وجادة جداً طيلة حياة الإمام العسكري وبعد وفاته، حيث وضعوا عليه العيون والجواسيس حتى حين كان مريضاً بمرض الموت، لعل وعسى أن يحاول الإمام العسكري أن يلتقي بولده ليعهد إليه بعهده، ويوصيه بوصاياه، فتتاح لهم فرصة القبض عليه.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بعد وفاة الإمام العسكري أرسل العباسيون جلاوزتهم إلى بيته، فقلبوه رأساً على عقب بحثاً وتفتيشاً عن الإمام المهدي، وحين أعياهم البحث ولم يجدوا ضالتهم المنشودة، هجموا على النساء، وأسروا نرجس ظناً منهم أنها ما تزال حاملة بالمهدي، أو لعله يحاول الإتصال بها وهي في أسرهم إن كان قد وُلِدَ بالفعل، فيقع بين أيدهم، وحينها لن يرحمه أحد.

وبقيت نرجس في أسرهم، وتحت رقابتهم ما يقرب من سنتين، وهم يرقبون أمرها، ويبحثون عن ولدها، ولكن دون جدوى.

ولهم محاولات أخرى كثيرة لا مجال إلى ذكرها الآن، وهي مسطورة في التاريخ بتفاصيلها، وبإمكانك أن تقف على بعضها في كتاب الغيبة الصغرى وغيره من الكتب التي تتناول هذا الموضوع.

ومن خلال ما قدمناه نفهم أن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف كان في خطر، ولم يكن من الممكن حفظه بالطرق الطبيعية والأسباب الإعتيادية، فكان لابدّ من تدخل العناية الإلهية لحفظ حياته عن طريق الإعجاز، وخرق القانون الطبيعي.

وكان خرق القانون الطبيعي يتمثل في أن الله تبارك وتعالى أخفى حمل نرجس بالإمام المهدي، فلم يعلم به أحد حتى أقرب الناس من البيت الهاشمي، كحكيمة عمة الإمام العسكري، بل أن نرجس نفسها لم تكن تعلم بحملها، ولم تحس بشئ من ذلك، كما هو واضح من خلال الرواية السابقة.

وليس بدعاً في التاريخ أن يخفي الله حمل نرجس بالإمام المهدي ، بل سبق أن فعل ذلك من قبل بنبيه موسى بن عمران، الذي كان مطارداً من قبل فرعون زمانه، كما يحدثنا بذلك القرآن والتاريخ.

ففي حديث قصة حمل أم موسى ووضعها به، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: «إنه لما حملت به أمه، لم يظهر حملها إلا عند وضعها له، وكان فرعون قد وكّل بنساء بني اسرائيل نساءً من القبط يحفظنهن، وذلك أنه كان لما بلغه عن بني اسرائيل أنهم يقولون: يولد فينا رجل يقال له: موسى بن عمران، يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده.

فقال فرعون عند ذلك: لأقتلن ذكور أولادهم، حتى لا يكون مايريدون.

وفرق بين الرجال والنساء، وحبس الرجال في المحابس، فلما وضعت أم موسى بموسى نظرت إليه، وحزنت عليه، واغتمت وبكت وقالت: يذبح الساعة.

فعطف الله عز وجل قلب الموكّلة بها عليه، فقالت لأم موسى: ما لك قد أصفر لونك؟!

فقالت: أخاف أن يذبح ولدي.

فقالت: لا تخافي. وكان موسى لا يراه أحد إلاّ أحبه، وهو قول الله: «وألقيت عليك محبة مني» فأحبته القبطية الموكلة به، وأنزل الله على أم موسى التابوت، ونوديت: ضعيه في التابوت، فألقيه في اليم، وهو [البحر] «ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين»

فوضعته في التابوت وأطبقته عليه، وألقته في النيل، وكان لفرعون قصر على شط النيل متنزه، فنظر من قصره  ومعه آسيه امرأته  إلى سواد في النيل ترفعه الرياح، والأمواج تضربه حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون، فأمر فرعون بأخذه، فأخذ التابوت ورُفِع إليه، فلما فتحه وجد صبياً فقال: هذا اسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون محبة شديدة، وكذلك في قلب آسية. وأراد فرعون أن يقتله فقالت آسيه: «لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون» أنه موسى.

إذن فليس بعجب أن يخفي الله حمل المهدي وولادته صوناً له وحفظاً لحياته، كما فعل جل وعلا ذلك من قبل بموسى إلى أن ولدته أمه، ثم مكّن له أن يعيش في بيت فرعون وتحت رعايته.

وهذا يرشدنا إلى أن الكيد الإنساني  مهما كان عظيماً  لهو أخسأ وأحقر من أن يهزم المشيئة الإلهية، أو يغلب الإرادة الربانية، وإن البشر بأجمعهم لأعجز من أن يردوا أمراً أراده الله عز وجل، فإذا أراد الله أمراً قال له: «كن فيكون» ويتحقق كما أراد جل وعلا، ولا يمكن أن يتخلف المراد عن الإرادة لأي سبب كان،

فإن كان بالإمكان أن يتحقق ذلك الأمر وفق القوانين الطبيعية فبها ونعمت، وإلاّ توصل الله إلى تحقيقه عن طريق خرق القانون الطبيعي، وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه الكريم: «يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون»

ثانيا: إن الفترة  وهي الغفلة أو النعاس  الذي أصاب حكيمة ساعة ولادة نرجس بالإمام المهدي عجل الله فرجه، كان الغرض منه هو عدم اطلاع حكيمة على نرجس وهي تضع مولودها المبارك.

ثالثا: يجب ألا نصاب بالدهشة والعجب إذا رأينا الروايات تنص على أن الإمام المهدي صلوات الله عليه تكلم ساعة الولادة، وعلينا ألا نسارع إلى التكذيب، ويجب أن نفهم أن ذلك ليس بعجيب على القدرة الإلهية المطلقة.

فإذا ما ورد ذلك بنص معتبر آمنا به وصدقناه وليس علينا في ذلك غضاضة، وإن الذين يكذبون بذلك، وليس لهم من حجة إلاّ الإستبعاد والإستغراب، عليهم أن يفهموا أن الاستغراب ليس حجة في منطق البحث العلمي، القائم على قرع الحجة بالحجة إلى أن تسفر الحقيقة وجهها.

كما نتمنى أن لا يكون استغرابهم هذا نتاج جهل أو تجاهل منهم للقدرة الإلهية، التي لا يعجزها شيء تريده، وأن لايكونوا يجهلون أيضاً أن الإمام المهدي ليس أول من تكلم في المهد صبياً، بل سبق أن حدث ذلك لبعض الرسل والأنبياء السابقين، كنبي الله عيسى الذي تكلم وهو في مهده، كما أكد القرآن الكريم ذلك في قصة مريم حين أتت «به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريا، يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغييا، فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا، قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا، والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا»

فالذي أنطق المسيح وهو في مهده هو عز وجل الذي أنطق المهدي عند ولادته، ذلك أن حكمة الباري عز وجل تقتضي تأييد الرسل والأنبياء والأئمة بالمعاجز والكرامات التي تؤكد صدق دعواهم للمقامات الربانية، وتمكنهم من تأدية دورهم العظيم، ورسالتهم الكبيرة في الحياة.

ولئن أنطق الله المسيح وهو في مهده من أجل دفع التهمة عن أمه، فقد أنطق الله المهدي وهو في المهد ليكون ذلك من ضمن أدلته وبراهينه على صدق مدعاه للإمامة وهو ابن خمس سنوات.

إذ رغم وضوح فكرة إمامة الصغير في الإسلام، وسهولة فهمها وإدراكها لكل الناس، وعدم تصادمها مع العقل والمنطق السليم، إلا أنه لا شك أن الناس  لا سيما العامة منهم  إذا لم يكونوا على درجة كبيرة من الوعي والإدراك، بمكنهم من فهم مثل هذه المسألة المهمة والحساسة، ويعينهم على تعقلها واستيعابها، فإنهم سينقسمون على أنفسهم، وستقع الفتن والإضطرابات الكثيرة بينهم، وسيصابون بهزة عقائدية عنيفة، قد تزلزل كيانهم، وتفقدهم صوابهم، مما يشكل ذلك خطرا حقيقيا على على مذهب الإمامية، ومدرسة أهل بيت العصمة والطهارة.

وليس في قولي هذا أي مبالغة  كما قد يتوهم البعض  بل هو عين الحقيقة التي لا مفرّ منها، ولا أقل من أنه الأمر الراجح، ذلك أن الإمامة هي الركيزة الأولى، والقاعدة الأساس التي يقوم ويتكىء عليها مذهب آل رسول الله، فإذا ما تزلزلت هذه الركيزة، واهتزت تلك القاعدة، انهار المذهب من أساسه.

فكيف يقنع الشيعة ويؤمنون بأن أهم الأمور العقائدية لديهم، والركيزة الأولى لمذهبهم الكبير، قد انتقلت إلى طفل صغير لا يتجاوز الخامسة من عمره، ما لم يكونوا مهيئين لتقبل مثل هذا الأمر، وتلّقيه بالرضا والتسليم.

من هنا كان لأهل البيت دور كبير في توضيح إمامة حدث السن، وبيان عدم تصادمها مع العقل، وأنها من الأمور الممكنة في العقل والدين، وأوضحوا لهم أنها قضبة موجودة في الفكر الديني عموما، والفكر الإسلامي خصوصا، وشجعوهم على تقبل هذه الفكرة، والإيمان بإمامة من سيوليه الله عليهم وهو في سن الطفولة المبكرة.

وقد شرحنا ذلك وبيناه بشيء من التفصيل في ص «247  260» من كتابنا «في رحاب الإمام الجواد »

ومع هذا الجهد الذي يقوم به المعصومون صلوات الله وسلامه عليهم، هناك اللطف الإلهي بالعباد، حيث تتدخل يد الغيب في تأييد ذلك الشخص الذي اصطفاه الله للإمامة وهو حدث السن، بأن يجري على يديه بعض الأمور الإعجازية والخارقة للعادة، لتكون دليلا على صدق دعواه من جهة، ومساعدة على إزالة ما قد يختلج في النفوس من شك في إمامته بسبب حداثة سنة من جهة أخرى، فيكون المؤمنون أقرب إلى تصديقه والاعتقاد بإمامته رغم حداثة سنه.

رابعا: يجب أن لا نستغرب تلك الفرحة الكبيرة التي غمرت الإمام العسكري بولادة ولده الإمام المهدي المتظر عجل الله فرجه الشريف، والتي عبر عنها بأن عق عنه بثلاثمائة رأس من الغنم، وعشرة آلاف رطل من اللحم، ومثلها من الخبز، كما أنه كتب إلى خلص شيعته يخبرهم عن حدث الولادة، كما يأمرهم بكتمانها، لئلا ينتشر خبرها فيصل إلى أسماع الظالمين المتربصين بالإمام الشر والمكروه.

فمن الطبيعي جدا أن يعيش الإمام العسكري هذه السعادة، وتغمره الفرحة، وتملأه البهجة، إذ أنه صلوات الله وسلامه عليه علم علم يقيني بأن هذا المولود ليس كأي مولود، وإنما هو المولود المبارك، الذي بولادته أشرقت الأرض بنور ربها، لأنه عجل الله فرجه الوعد الإله الذي على يديه تتحقق رسالة الأنبياء كاملة، وبه يظهر الله دينه على كل الأديان، وبه يتم الله نوره ولو كره الكافرون.

إنه المدخر من قبل الله عز وجل لمحق الظلم، ودحر الجور، وإزهاق الباطل، ونصرة المظلومين، وإعزاز المؤمنين، وعلى يديه الكريمتين يتحقق الأمن والأمان، وينتشر العدل والسلام، ويعم الرخاء، وترفرف راية الحق والعدل في كل أرجاء المعمورة، كما بشر بذلك جده المصطفى في قوله ﷺ: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»

ومولود بهذ العظمة، وتتحقق على يديه كل هذه البركات، وتجني الأمة بل العالم من ورائه كل هذه الخيرات، من الطبيعي جدا أن يفرح به أبوه الفرح كله، ويكون في قمة البهجة والسعادة، وأن يتفاعل مع حدث ولادته، ويتعامل معه بما يليق بجلال قدسه وقدس جلاله.

اللهم إنا ترغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.