آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:25 ص

مشاكلنا في العلن نشر غسيل أم حلٌّ لها - سلسلة خواطر متقاعد

لا يخلو أي مجتمع في أي زمان من مشاكلَ أسريَّة وأبعد من أسرية. والفرق بين الماضي والحاضر هو سهولة نشر المشاكل والأحداث للعلن وخروجها من حرمِ الدَّار إلى كلِّ العالم. فهل هذا الانفتاح هو وسيلة لبثّ الشَّكوى والظُّلامة والتَّوعية؟ وهو فعلًا يخدم هذا الغرض؟ أم بثّ شكوى بغرض نشر غسيل فوقَ حبالِ العالم وكشف أسرارٍ للمتطفلين؟

في الماضي، لن يعرف بما جرى إلا العائلة والجيران، وإن ساءت الأحوال فأهل القرية والمدينة، وبعد مدَّة يموتُ الخبر. لكن في وقتنا الحاضر، يصل الخبرُ كلَّ أطرافِ العالم في لحظةٍ واحدة، من يعرف ومن لا يعرف. ويبقى علكةً في ذاكرةِ النَّاسِ والتاريخ أمدًا طويلا. في كلِّ القضايا ظالمٌ ومظلوم، ومن يحكي الظلامة ويسارع في بثِّ الشَّكوى ليس بالضرورة هو المظلوم، لكنه أول كاشف للسرّ وأول من أعطى ما يسمى اليَّوم ”سبقًا صحفيًّا“، خبر خارج عن سياقِ الأحداثِ اليوميَّة وفيه حبكة تستهوي القارئَ والسَّامع وتغذي عادةَ حبّ الاستطلاع. فماذا بعد؟

أعتقد أن كلَّ مجتمعٍ عاقل بإمكانه تطوير وسائل تحمي أفراده، ولو بشكلٍ جزئي، من نشرِ المشاكل العائليَّة المتنوعة بين النَّاس، لأن نشرها قد لا يساعد بالضرورة في حلِّها، بل يزيدها تعقيدًا، وإصرارًا من كلِّ طرفٍ على الانتصار. آلية حفظ الخصوصيَّة يجب أن يتعارفَ ويتَسالمَ عليها أفرادُ المجتمع ويؤمن بها من يملك وسيلةَ نشر، وإنْ على حساب عددِ القرَّاء والمتصفِّحين لهذه الصَّحيفة أو تلك.

من الضَّروري أن تبقى الخلافات العائليَّة - وعلى الخصوص الزَّوجيَّة - داخلَ أسوارِ المنزل وتُستنفد كلُّ الحلولِ الجدِّية قبل أن تظهر للعلن، لأن في التسرع في نشرها ”وشرشرتها“ دعوة وتسهيل لكل من يرغب التدخل والتطفل لتحقيق تلك الرغبة. ثم بعد ذلك قد لا يوجد حلّ سوى وقوع الدَّار على ساكنيها وتضررهم، على الخصوص إن كان في الدَّار من صغارٍ وضعفاءَ لا حولَ لهم ولا قوَّة ولا دخلَ بما يحدث!

”كلُّ سِرٍّ جاوزَ الاثنينَ شاع“ تعني كلُّ سِرٍّ خرجَ من بين الشَّفتين شاعَ وانتشر! حكمةٌ تصلح في كلِّ زمان، وهي أفضل آليَّة للإصلاح. وليس معناهَا السُّكوت على الظُّلامات والجور وعدم أخذِ الحق، بل معناها: ”استعينوا على قضاءِ حوائجكم بالكتمان، فإن كلَّ ذي نعمةٍ محسود“. وهل من نعمةٍ يُحسد عليها الرجلُ أو المرأة ومن ثمَّ المجتمع من عدم تصدع أساساتَ البيوتِ وخرابها؟!

خلاصة الفكرة: أن الأسرارَ كلَّما شاعت وانتشرت لذَّت وطابت.

مستشار أعلى هندسة بترول