آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

وداعاً أسطورة كرة القدم «17»

عبد العظيم شلي

كرات تتقاذف والعرق بلل، كلام يتطاير على عجل، من يسمعك يافتى والشكوى زفرة ملل.

يا مارادونا، مما تشتكي؟، من إدارة ناد، أمن رئيس متصلب، أم جمهور متعصب؟، هتافهم والضجيج، يصلونك التأفف والزعيق.

إن شكواك متعددة الأوجه، تستبطن الٱهات، بين عرقك واللهاث، ارضاء للحمية الكتلونية، المهوسة بظفر كل الجولات الأسبانية.

أي فن تستعرضه، والنزال كواسر، تستشعرك عن بعد قرون ثيران هائجة، أي مزاج لك وسط طريقة لعب متغير، أسلوب لم تألفه قبلا. سهام تتعقبك، طالتك نبال تحريض متقلب، الأقاليم تكسب صراخها، واللعب يخسر، صخب والضجيج هادر، َتلك أجواء الكرة الاسبانية.

أنت الباحث عن جمالية فن وصانع لعب متحرر، تحرث المستطيل الأخضر حرثا، رجلك تنبت البذر سنابل، لكن طريقك مازال وعرا، اتجتاز المثبطات بتحدي لا يقهر؟، ثباتك وسط أسلوب لعب قارة عجوز مقارنة بقارتك الجنوبية ثمة تفاوت، وسياسة نادي برشلونة عن انديتك الارجنتينية التي مثلتها سابقا تكمن فروقات، بين طريقتي التعامل والاحتواء، تلك أندية انتقلت إليه تدرجا، بدء من نادي ”استريلا روجا“ القريب من حيك المعدم، لعبت فيه صغير السن، وحين بلغت العاشرة انضممت في صفوف نادي ”لوس سيبوليتاس“ وبعد أربع سنوات أصبحت لاعبا محترفا في فريق ”ارجنتينوس جونيورز“ حينها زاد دخلك يا أبن الفقراء، ثم تحط رحلك لأكثر ناد يحظى بشعبية جارفة ”بوكا جونيورز“ محبوب الطبقة الكادحة

والساحقة في البلاد.

هو الذي صدرك للخارج، بعد تكالب الأندية الأوروبية

عليك، يربح الرهان برشلونة دون غيره.

أندية لاتتشابه مع أي ناد خارج الديار، أن تتعود على أسلوب اللعب مع زملائك ردحا من الزمن..

وتنهج خطط مدربين وطنيين من بلدك، وفجأة كل هذا يتبدل، لابد أن يحدث خللا في عدم التوافق وصعوبة في عملية الاندماج، هناك كنت تسمع هتافات الهوس على أرضك اللاتينية التي تهفو اليك محبة وعشقا، وأنت تطربهم بوصلات فنك، مهاراتك ترنيمة عشق ينشدونها على انغام إسمك، ذاك عز كان بالأمس زاهيا بين اهلك وأحبابك.

عبرت البحر ونقلتك سفن المال لأجواء مختلفة وبيئة مغايرة ليس بالسهل عليك، الأمر يحتاج وقت أكثر للتأقلم.

مباريات وتدريبات تستهلك طاقة الفتى، والفتوة ريعان انطلاقه، لياقة جسد لاتوازيها لياقة نفس، العارفون يدركون نبضك المتقلب مع البرشا، ولكن أعصابك وزر ثقيل على كاهلك، دوري أسباني طابعه الشد والجذب، والشراسة عنوان الاشاوس، أجواء مشحونة بعنف بلا مبرر، صفحات كتابك تنبؤنا عن معاناتك الشاقة والعسيرة اذ تقول " برشلونة بلا متعة: كانت فترة مهمة وصعبة ومظلمة ومعقدة، قبل برشلونة كنت العب كرة القدم باستمتاع لكني ماعشته مع برشلونة لم يكن كرة قدم او رياضة، بلغ الحد إلى توجيه الضربات إلى فمي ووجهي، أسلوب اللعب كان مختلفا أيضا، كان اللاعبون يركضون دون توقف، في احدى الإختبارات ركضت أنا 2700 م، بينما ركض زملائي 5000و 6000م، لم أندمج بشكل جيد، لكني اجتهدت لأكون أقوى بدنيا، شوستر و

لتوكراسكو كانوا يساعدوني ".

نصدقك القول لأن التعاطف مساحة محبة لعبقريتك الكروية، والتقدير محل التقييم انصافا. فلكل فترة لها مالها وعليها ماعليها، وأي تجربة لها مكتسبات سلبا وايجابا، وربما تقود أحيانا لمفترق طرق قد تكون مجهولة وغير محمودة العواقب، والعكس صحيح.

ماعاشه الفتى الذهبي مع برشلونة فيه شيء من المفارقة، بين الحب واللاحب، بين المأمول وخيبة الظنون.

إدارة النادي تفاخر بأن لديها أغلى لاعب في العالم، حيث صرفت عليه 5 ملايين جنيه استراليني من ميزانية النادي، ومن خلفهم جماهير تنتظر عطاء يوازي ذلك الرقم القياسي، فكل البرشلونيين يراهنون عليه بدوري قادم أكثر مما مضى، يأخذهم بعدا اوروبيا، طموح يتوجهم اسيادا للقارة.

انطلقت عجلة الدوري الاسباني لموسم 83، وعلامات التحدي تسري في عروق اللاعبين المشاكسين يدفعهم جمهور متعصب يشعلهم حماسا متقدا بسعي لمن يكسب الرهان.

معركة الفتى مع برشلونة تتلون سلبا وايجابا، كسب انتصارات وتأرجح تعادلات وانتكاسة هزائم، تفلت في الطريق نقاط اثر نقاط.

هل بات الرصيد لايخول لبلوغ المرام لتسيد الدوري؟

الأمنيات في مهب رياح جرت بما لا تشتهي سفن النصر، ما أصعب على ربان السفينة - مارادونا -

أن يتعرض لهجمات القراصنة الذين يفتكون به فتكا، والغنائم لكما ورفسا لجسده المتوثب، الضالة المتوخاة توتيره نفسيا بأي ثمن لإخراجه عن طوره، تقابلها ضغوطات إدارة تكشر عن انيابها ضده، إنها فرص سوء سانحة تنكئ الجراح النازفة، والأقسى والأمر موال الشكوى زاد عزفا، انينا وندبا.

ومن دون سابق انذار استوطن جسده مرض دون أن يدري! وعلى لسانه يكشف الحقيقة المرة،

يقول الفتى: ”تحسنت الأمور مع الوقت، سجلت 6 أهداف في 15 مباراة، لكني كنت أشعر بٱلاما في الكاحل، ذهبت إلى الطبيب، لكن حدث أمر غريب، لم يكن ينظر إلى كاحلي، بل ينظر إلى عيني، ثم حصل على تحليل دم، عدت إلى المنزل وانتابني، قلق شديد، في اليوم التالي زارني أحد أطباء برشلونة، كان مترددا، شعرت بالخوف ودار هذا الحوار، ماذا أصابني أيها الطبيب، ماذا تقول التحاليل؟، كان يحاول التهرب من الإجابة، بدأ يدور حول نفسه، حسنا هذا أمر يمكنه أن يحدث لأي شخص، صرخت في خوف، أخبرني الحقيقة، أنت مصاب بالتهاب الكبد الوبائي!، قتلني، بعد هذا اليوم لم تكن لدي رغبة حتى لمشاهدة كرة القدم في التلفزيون، لوكانت اصابة لرضيت بذلك، الإصابات معتادة في الرياضة، لكن التهاب الكبد!!“.

يا إلهي... صرخة مدوية اطلقها الفتى جابت أرجاء المدينة في ليلته المظلمة، كأن الشوارع مقفرة، تكرر ايقاعها بين فينة وأخرى، لا أحد يسمع صوت الألم حتى هزيع الليل الأخير، عندها دقت كنيسة المعماري قودي أجراسها ، رنين كسر جدار الصمت.

أي نفسية للاعب معقود على رجليه تحقيق الانتصارات

وهو محطم نفسيا، وكيف السبيل لتجاوز

تلك المحنة الصادمة الذي فجرها أحد اطباء برشلونة. يضيق الهواء والتنفس خانق، الشم طريق الخلاص!، ايقاع النواقيس نفحة إيمان، ضغوط تلد ضغوط، شكوى نفس وشكوى جسد.