آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

مفاهيم الحياة

محمد أحمد التاروتي *

تشكل التجارب الحياتية ركيزة محورية، في وضع مفاهيم لدى البشر، انطلاقا من البيئة الاجتماعية السائدة أولا، وعطفا على مجموعة العبر المستخلصة من الممارسات اليومية ثانيا، خصوصا وان تشكيل المنظومة الثقافية مرتبطة بالمحيط الاجتماعي السائد، فتارة يفرض المجتمع واقعا ثابتا على الافراد، وتارة اخرى يتحرك المحيط الاجتماعي باتجاه مختلفات، ويحدث تموجات فكرية متفاوتة، نظرا للظروف الاقتصادية والسياسية القائمة، الامر الذي يحدث حالة من التناغم بين التفكير الفردي والعقل الجمعي، من خلال التسليم القسري بالواقع المعاش.

مفاهيم الحياة تتأثر في كثير من الاحيان المحيط القريب، لاسيما وان القدوة الحسنة وكذلك اصدقاء السوء، يلعبان دورا في احداث تحولات متفاوتة وغير ثابتة، نظرا لمدى التأثير القوى للمحيط القريب على الافراد، فالبعض يحاول تقمص الشخصيات القريبة بعيدا عن التفكير، انطلاقا من قناعات خاصة، واحيانا نتيجة الانبهار، وأحيانا اخرى بسبب المصالح الخاصة، الامر الذي يترجم على اشكال متعددة ومختلفة، مما يسهم في وضع مفاهيم حياتية، منسجمة مع رؤية المحيط القريب، وبالتالي فان محاولة الخروج من تأثير المحيط القريب، يتطلب اعادة برمجة كاملة للمنظومة الثقافية، وكذلك رسم ممارسات حياتية مختلفة، خصوصا وان عملية الانفكاك من مؤثرات القدوة الحسنة، او اصدقاء السوء، ليست سهلة، ولكنها ليست مستحيلة على الاطلاق، لاسيما وان تبني المفاهيم الحياتية للمحيط القريب يبدأ بشكل تدريجي، واحيانا بدون قصد او ارادة حقيقية، بيد ان الالتصاق بتلك الشخصيات يلعب دورا كبيرا، تكريس بعض المفاهيم الحياتية على الواقع اليومي.

النظرة الايجابية للحياة تترجم في المواقف اليومية، وكذلك في طريقة التعامل مع الاخر، فاذا اتسمت النظرة بالتشاؤم والسوادوية والانتقامية، فانها تظهر على شكل المواقف العدائية، تجاه العديد من الفئات الاجتماعية، فضلا عن التحرك الدائم باتجاه توتير الاوضاع اليومية، انطلاقا من قناعات بضرورة ممارسة العنف، تجاه الاخرين باعتباره الوسيلة المناسبة، وترجمة عملية لمجموعة المفاهيم الحياتية، المكتسبة من الممارسات اليومية، فيما النظرة التفاؤلية والايجابية تدفع باتجاه الاحتواء، والابتعاد عن التصادم والتحركات السلبية، لاسيما وان العنف يولد العنف، فيما التجاوز عن الاساءة يحدث اثرا كبيرا في القلوب، مما يساعد في خلق البيئة الاجتماعية المسالمة، بمعنى اخر، فان المحركات الحياتية ليست موحدة لدى البشر، فهي تتناغم مع الضغوط الداخلية والخارجية، لدى الافراد.

القدرة على التحكم على الضغوط الداخلية، ومقاومة الضغوط الخارجية، عنصر حيوي في وضع المفاهيم الحياتية الايجابية في المسار السليم، فالمرء الذي يتحكم في ردود الأفعال، بامكانه تحديد الرؤية المناسبة للحياة، فيما الفشل في مقاومة الضغوط الداخلية، والاستجابة للعوامل الخارجية، يترجم على اشكال متعددة بعضها غير متوقع، والبعض الاخر غير مقبول، وبالتالي فان الارادة القوية ومحاولة وضع الاليات المناسبة، للتأقلم مع الظروف القاهرة، يمثل المدخل الاساسي لاجراء تحولات جذرية في مفاهيم الحياة، لاسيما وان الانسان غير قادر على العيش في جزيرة معزولة، والابتعاد عن المحيط الاجتماعي، مما يفرض التحرك وفق ضوابط محددة، لتفادي الانزلاق خلف بعض المفاهيم الحياتية المغلوطة، سواء نتيجة ضياع البوصلة، او لعدم القدرة على تحديد الجهة الصائبة، او بسبب الغرور الذاتي، والاعتزار بالنفس دون امتلاك المؤهلات اللازمة، لامتلاك زمام الامور بالطريقة المناسبة، الامر الذي يظهر على شكل ممارسات تخريبية، على الصعيد الذاتي اولا والاجتماعي ثانيا.

المنظومة الثقافية عنصر أساسي، في التحكم في المفاهيم الحياتية، فالانسان الواعي بامكانه الاختيار الصائب، فيما انعدام الوعي يدخل المرء في متاهات، وانفاق مظلمة للغاية، مما يجعل عملية الخروج الى الضوء صعبة للغاية، وبالتالي فان المفاهيم الحياتية تشكل البوابة الرئيسية، للانخراط في معركة الحياة بالطريقة المثالية، كونها المفتاح القادر على ازالة الكثير من الممارسات المغلوطة، التي يحاول البعض رزعها في الثقافة اليومية بطرق مختلفة، الامر الذي يفرض امتلاك الدراية والوعي اللازم، للتفريق بين المفاهيم الحياتية ”الحية“ والاخرى ”الميتة“.

كاتب صحفي