آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

زوايا أسرية 15

محمد الخياط *

هل فكرت في قراءة صور من الحياة الاجتماعية؟ وهل استنفذت كل التساؤلات التي تمر بخاطرك؟

قصصٌ وحكاياتٌ تُحاكي الماضي والحاضر، نعيش ونتعايش مع بعضها عن قرب ويُسجل التاريخ بعض أحداثها ويُهمل بعضها الآخر

إن كنت تنوي أن تُلملم بَعثرة تلك المفردات على الورق فضع علامات السؤال اولاً ولا تغفل الإجابة ثانيا والتأمل والوقوف عند علامات التعجب والفصل بين الجمل أوامرها ونواهيها ضمائرها وأفعالها ماضيها وحاضرها ولا تضع نقطة نهاية الجملة لإن الأحداث متجددة ومتصلة ومنفصلة سلبية وايجابية ولانهاية لها إلا بانتهاء الحياة

فالحكايات والقصص والأحداث متجذرة ومتجددة ومستمرة والبداية منك ولانهاية عند الآخرين، فهناك من استلم وثيقة مولود له، وهناك من استلم وثيقة موت أحدهم، وهناك من استلم وثيقة سفره، وهناك من استلم وثيقة تخرجه من الجامعة، وهناك من استلم وثيقة تقاعده، وهناك من أصبح دون خليلة له «زوجة»، وهناك من فقد آماله وماله، وهناك من أشرقت الشمس وآمال الحياة محمولة في فكره وتطلعاته، وهناك من اصطحب زوجته وأبنائه إلى وجبة غداء وتسامى على آلامه لإنهاء الشكوى المصاحبة للحياة والمعكرة لصفو العيش، وهناك من أصبحت حياته معلقة بين الرجاء والأماني والأحلام الضائعة والرغبات والتوجهات المختلفة للانكشاف التناقضات الموجودة في الحياة اليومية مما أحدث ردود أفعال ظهرت على شكل ممارسات ومعتقدات وسلوكيات غير عقلانية ولا إنسانية، وبالتأكيد تُعد القضايا الأسرية والخلافات الزوجية من أهم الحكايات والأقوى تأثيراً على انماء وتقدم وانهيار المجتمعات.

لذا سنحاول جاهدين وبشكل واع إطلاق العنان لمقاربة درامية انسانية لخلافات أسرية زوجية تعيشها بعض الأسر وهي في مهب الريح لوجود انكسار وسوء فهم في بناء القيم والمعتقدات السلوكية الإنسانية المرتبطة بسلوك وإدارة جودة الحياة الزوجية.

وعي ضمير المتكلم

وصلت له رسالة عاجلة عبر الجوال باسمه الشخصي مفادها أكتب إليك هذه الحروف وأنا على يقين أنك على وشك مغادرة بيتك في هذا المساء لوجود مبررات كانت من بداية حياتكما هي محط خلاف مع ابنتي ولم تتمكنا من معالجتها وأنت تعرف مدى صعوبة وعصبية ابنتي واعتزازها بنفسها وبمنصبها المهني ولوجود المال الوفير في يدها كما أعلم وتعلم من الصعوبة أحدثك عن ابنتي التي لا أجد لسلوكياتها أي مبررات فيما تعمل وتتصرف مع أسرتها وزوجها ووصل الحال بها حتى معي ومع والدتها فهي لا تسمع إلا صوتها الداخلي لاعتدادها بنفسها وتكبرها على من هم حولها، بُني ما عساي أن أقول في مثل هذا الموقف وأنا اتألم لحالها وألوم نفسي ووالدتها كثيراً، نحن من أسس هذا البنيان وجعل منه يتعالى على الآخرين فأصبح اصلاح الأمر يحتاج إلى حكمة وصبر جميل واسلوب ومهارة في الحوار وقوة منطق وأنت تعرف شخصيتك أكثر من غيرك وتعلم بُنيت هذه الخلافات التي لم تكون وليدة اللحظة بينكما حتى تترك المنزل وتنهي ارتباطكما المقدس، كنت تتحمل غضبها وزعلها وتحدثني وتوعدني بالبحث عن حلول لخلافاتكما مع قبول الدعم العائلي والجهات المختصة في ذلك لكن أنفتك وتكبركما على المعرفة ورفضكما قادكما إلى ما أنتما عليه اليوم من خلافات أوصلتكما إلى حالة من العنف والعنف المضاد من العناد والطلاق العاطفي والتصحر فانعكس الصراع ووصل الحال إلى دائرة الأبناء.

فهل تعلم كنت أحضر عنك مجلس الآباء وخالة البنات تحضر مجلس الأمهات عوضا عنكما؟ وأنا من عمل كل اجراءات سفر ابنتكما للدراسة في الخارج ولازلت أتواصل معها بشكل شبه يومي وأنتما غارقين في خلافكما الذي أقرُ أن ابنتي لها دور كبير في اهمال زوجها وأبنائها وحياتهما واعتمادها على العاملات التي تصرف عليهن وهمها العمل وحياتها الخاصة من سفر وتطوير الذات في جانبه العملي الذي لم ينعكس على حياتها الخاصة لا من بعيد ولا من قريب وتكبُرها وتجبُرها والكلمة القاتلة للجميع.. الانفصال أرحم فلا تسألوني عن السبب فلا يوجد عندي لكم جواب شرعي ولا أخلاقي ولا مالي ولا مرضي فليس هناك اجابة عندي أنا هو أنا، هذا هو رأي وسلوكي، لكم أن تختاروا القبول بي كما أنا زوجة بالاسم فقط، هو في مكان وأنا في غرفة أخرى يجمعنا اسم وأبناء أمام الناس والشرع.

زوج ابنتي وابن أخي إنك من أسرة ذات شرف ونسب وكذلك رجل صالح لكن اسمح لي أوجه شيء لك من العتاب والملاحظات لعلها تقودك إلى بناء فكري مستقبلي مع ابنتي أو لحياتك الخاصة..

- عاصفة خلافاتكما لن تزول على مدى قصير برسالة أو بتوجيه ما لم يكن هناك قبول بمبدأ الحوار المبني على الثقة والأخلاق والعلم والتعقل والعمل بحكمة والتسامح والتسامي على الجراح الماضية ومشورة ذوي الاختصاص والعزيمة على الإصلاح..

- إصلاح وضعكما لا أقول مستحيلاً، إنما يحتاج وقتاً لإعادة فهم مجريات الأمور على حقيقتها والاعتراف بحقوق كل منكما للآخر

- وضع آلية للحوار والتفاهم بدماثة الخلق للخروج مما أنتما فيه وإن كان الانفصال هو الحل، فهو أبغض الحلال عند الله لكنه في بعض الخلافات نعمى الحل هو لمصلحة الجميع مع مراعاة الحقوق والوجبات في ما يتعلق بالجانب الشرعي والمالي والأبناء والحفاظ على أسرار ما كان بينكما فقد أفضى بعضكم إلى بعض..

عتاب وتوجيه محب

مسيرتك في الحياة أفقدتك الكثير من مكانتك الأبوية لاستنقاصك الدائم لقدراتك وعدم ثقتك بنفسك وتنازلك المستمر وقبولك البقاء في منطقة الراحة وعدم السعي للتطوير من نفسك على كل الأصعدة وبالخصوص في فكرك ومنطقك وملبسك وعلاقاتك الزوجية والأسرية العامة والخاصة وَلّد عدم الثقة بالنفس وضعف في شخصيتك اتجاه الزوجة التي في طبيعتها الانثوية تبحث عن من يكون ذو قوة ومكانة وسندٌ لها، فكيف إذا ما كانت هي ذات نفوذ أسري ومكانة أسرية واجتماعية ومهنية يشار لها في كل محفل وأنت بعيداً عن كل ذلك، فلا القرابة ولا الأبناء تشفع لك في استمرار حياتكما الزوجية وقد سمحت لنفسك بتقدير أقل وتزايد مخاوفك وعدم التحكم في مشاعرك وتصرفاتك وطريقة تفكيرك في المواقف الصعبة زرعت في البيت تحولاً فجائياً بين يوم وليلة، خوف وغضب وفزع وصراخ وتهديد بالطلاق، ووصل بك الحال لممارسة العنف والشك والاجبار على البقاء في المنزل والتهديد بالذهاب لمقر عملها وفضحها على رؤوس الأشهاد، وخلافاتكما وصلت إلى باب لا يمكن التحكم في نتائجها الرامية إلى أبعاد الاهانة والعنف والتهديد وأنت غير قادر على فعل ما ترمي إليه، هذا الأمر عقّد الموضوع ووضعك في زاوية أضعف مما كنت عليه.

قراءة وقرار مستقبلي

بُني.. الرؤية تتجه إلى عمل اصلاح ذات البين بينكما إن كنت تتفق معي فموضوعكما أصبح في حالة حرجة جداً، والحل بعد أن تم تواصلي بعيداً عنكما مع جهات الاختصاص أصبحت هناك ورقة عمل عندي بدايتها الاتفاق مع الاستشارية النفسية الأسرية على موعد محدد لكل منكما على حدى، بعيداً عن الأبناء وكما أخبرتك في رسالتي عليك بأمانة السر على جميع من حولك من أصدقاء وأفراد العائلة حتى تلملم خلافكما دون أن يقع ضررٌ عليكما أو تصبحا حديث الساعة فيما يحدث بينكما من خلاف، لذا عليك التحلي بالصبر والحكمة وأنا من سيتواصل مع زوجتك «ابنتي» بالحوار واقناعها بالتواصل مع الاخصائية النفسية لحضور الجلسات بعيداً عن الآخرين

خطوة على الطريق.

بتوجه وتوجس إلى رسم خارطة طريق تشعلُ في ذهنها أفكاراً وخُطاها تقودها وهي تتمتم في الطريق بمفردات فيها من الخوف والقرار ما هو بين الشمس والأرض من مسافة ضوئية والتفكير يقودها إلى زوايا مختلفة لم تُصرح عنها حتى مع نفسها يوماً، لتعترف بقولها بصوت مرتفع وإلى جانبها والدها سمعها وهي تبكي مفاجأة تقول: ما هو المكان؟ ومن سأقابل؟ وهل سأبوح لها بأحداث حياتي وأنا من هي في مكانتها الاجتماعية؟ أبي.. هل أنت معي؟ أبي أحدثك... أصدقني القول هل حياتي تستحق الاستمرار مع ابن اخيك وهو لا يكترث للحياة الزوجية ولا يقبل التغيير في سلوكه وفكره وأصدقائه البعيدين عن كل ما هو علم ولا يقبل أي انماء للذات ولا يقرأ التحولات الاجتماعية والثقافية والمكانة العلمية والمهنية والمالية التي وصلت لها المرأة، ألا يدرك أن لزوجته حقوق وليست أمةٌ يطلبها في الفراش فقط؟ ألا يحق لي أن أفتخر بزوجي وهو يفتخر بي؟ أبي إنني أراه محطماً لكل تطلعاته قبل تطلعاتي ولا يكترث لها، أليس هو أولى من الآخرين أن يكون سنداً لي، فكل من حولي يقرُ لي بما أنا عليه ولم اسمع منه كلمة سِوى عليك ترك العمل والاهتمام بي وبالأسرة والبيت فقط، أجابها الأب متداركاً هناك نقاط كثيرة أولها..

- بداية ونحن في طريقنا إلى الاخصائية لها سؤالاً لم يكن عندي اجابة عليه لكوني والدك وهو محرج لي جداً لكني سأطرحه قبل الاخصائية أجبي عليه بصراحة حتى نلغي اللقاء أو نواصل الطريق.

ابنتي هل رفضك لسلوك زوجك ولكل ما هو فيه من ملاحظات يقودك إلى طلب الطلاق، أم هناك أمر آخر يجهله الجميع؟

إن كان جوابك بنعم ستحملين عنوان ووثيقة كبيرة يُشار لها في كل محفل وكأنها وسام لكنه سلبي على جميع أفراد الأسرة فمن المسؤول عنه؟

قبل الاجابة عليك التفكير فيها مليًا، وقبل الاجابة النهائية هناك سؤال آخر في قبول الإصلاح، هل عندك استعداد للتنازل عن بعض النقاط لاستمرار حياتكما مع ملاحظة أوليه من أبٍ محب لكما الخير تذكريها جيداً..

اولاً - إنك لست فتاة في مقتبل العمر فأنت في العقد الخامس من العمر وأبنائك بعضهم في مرحلة حرجة وابنتك هناك من تقدم لها بالزواج وهي قريبه التخرج من الجامعة وتعود.

ثانيا - مهما علا شأن المرأة في بيئتها المهنية عليها أن تدرك أن حياتها الزوجية هي أثمن وأقدس من كل شيء وليس محطة تقف عندها للمقارنة والتقييم، ثم تنطلق إلى محطة ومجتمع آخر، هي علاقة ميثاق وألفة ومحبة واحترام وتسامح وترابط وحقوق وواجبات وتعالي على بعض الهفوات.

ثالثا - الحياة الزوجية بُنيت على قانون إلهي وميثاق غليظ أخلاقي لها من الحقوق وعليها من الوجبات وانشغالك بالسعي إلى المكانة الاجتماعية والحصول على المال ليس خطأ لكن عليك الفصل بين حياتك المهنية وعلاقتك الزوجية والأسرية.

رابعا - مواجهة الأخطاء الفادحة وتحمل المسؤولية بصدق ومهارة وحكمة وكيفية التعامل معها.

خامسا - التماس المشورة والنصح من جهات الاختصاص فقط لعلاج وضعكما المتأزم بعيداً عن الأهل والأصدقاء والقيل والقال وهم غير مدركين أبعاد خلافكما.

هنا أقف إلى هذا المستوى معك من الحديث كي تلتقي بالأخصائية النفسية ولك القرار،،

لقاء دون قرار

سلوك مليء بالوعي جمع الاخصائية بالمسترشدة في لقائهما الأول بما فيه من حدر وتوجس وعدم الصراحة والعبارات المقيدة والخوف من العتاب واللوم وتحميلها المسؤولية وتوجيه أصابع الاتهام لها إلا أن دماثة خلق الاخصائية وامكانياتها وخبرتها العلمية والمهنية والزمنية بالإضافة إلى أنها متزوجة وقريبة من عمرها مكنتها من النطق وأدارت الجلسة وكأنها لا تعلم عن تفاصيل التي تحدث عنها والدها في تواصله مع الاخصائية، فاستثارت المسترشدة بحديث يروق لها عن أهمية دور المرأة في بناء كيانها الشخصي على الصعيد الفكري والعلمي والمهني والاجتماعي والمالي مع الاشارة إلى وجود التحسس عند بعض فئات المجتمع وبعض الأزواج من الرجال لايزال ينظر إلى المرأة بحساسية وبرؤية شبه سطحية لوجود صور سلبية في المجتمع، فهل للمرأة دور في ذلك التصور أو هو رؤية سطحية تتكرر على لسان الرجل عند حدوث أي خلاف زوجي؟

بتلك المفردات كُسر حاجز الجليد وتحدثت قائلة عن نفسها أنا فلانه وسيرتي الذاتية هي،،، واصفة نفسها وكأنها هي الوحيدة التي وصلت لما هي عليه، وليس هناك فضل لأحد عليها وللأسف تنكر حتى دعم الأسرة إلا في جانبهم المالي فلم تقاطعها الاخصائية حتى تزرع الثقة وتُكون الألفة عندها وتشعرها بالأمان النفسي والمكاني، وهناك من يسمع لها ويقف إلى جانب كبير مما تؤمن به، بعد انتهاء الوقت المحدد هي من حدد موعد اللقاء الآخر والغريب في الأمر طلبت اليوم التالي مباشرة.

عادة إلى منزلها وكأنها تحمل الفخر وهي تُحدث أبناءها بصوت ترغب أن يسمعه الجميع وفي الدرجة الأولى زوجها متجاوزة حدود المكان بقولها: أنا من خُطاها الأخلاق وسموها الجمال والطهر والصدق والوفاء، أنا بعلمي وعملي ومكانتي أساهم في ازالة العجز والحياة النمطية للمرأة وأكسر ارتداء أثواب الخداع والرياء وأعترف بالمسؤولية والتقصير، وعندي استعداد للتحاور واثبات ما أنا عليه من صناعة مستقبلية لجودة الحياة العامة والخاصة.

انطوت الساعات وكأنها ألف سنة مما يعدون، أي أنها تنتظر اللقاء الثاني بفارغ الصبر شاطحةٌ بخيالها ومشاعرها دون قيود بأن الجميع سيقول لها استمري على ما أنت عليه من سلوك،،،

حان موعدها دون أن يكون هناك قيود تنفرها من حضور اللقاء الثاني الذي سيكون فيه من التحليل والتوجيه ما يعد بداية إنهاء الصراع الزوجي، والذي يعده الكثير ممن هم في هذه الحالة هي نتاج طبيعي لخروج المرأة إلى بيئة العمل إلا أن الاخصائية لها رأي تعتبر أن بيئة العمل هي عنوان وشماعة نعلق عليها الكثير من الأخطاء والأخطار التي تقع هنا،،،

قادتنا هذه الكلمات إلى التشوق في معرفة ما ترمي له الاخصائية وهي تُحاضر عن الصدمات التي تنشأ عند المرأة بعد اقترانها بالرجل الذي كانت تحلم في أن يكون قالباً ملائكياً وهي تشكله، أو مصنوعاً حسب مخيلتها ليس فيه من العيوب، ومع الأسف هناك من تقع في هذا البعد عند بداية الطريق إلا أنها تستمر في حياتها وإن كانت تحمل من الجراح والآلام وعدم التوافق القيمي والسلوكي والاحباط والهلع فينشأ عدم الاهتمام بالصحة النفسية فيفقدها القدرة على التعامل مع كل ما يحيط بها فتفقد الحكمة في ادارة الانفعالات والمشاعر السلبية والايجابية وحتى المآسي التي تنتج القلق والغضب ويمتد تأثيرها على صحتها الجسدية والعقلية وعلى مستوى التطلعات الاجتماعية والمالية والتكبر والتعالي على الحياة الزوجية فيكون الرفض مرضياً عوضاً أن يكون نِتاج لسلوك أو نقص في إدارة جودة الحياة الزوجية.

اللقاء الثاني ليطمئن قلبك

مع مفارقة كبيرة في لهفة اللقاء مقارنة باللقاء الأول رأت الأخصائية أن تزيد من جرعة الأمان مع المسترشدة بقولها: لم التقي بزوجك وأعتقد أنك قادرة على ادارة دفة أسرتك بما تمتلكين من علم وأخلاق وسعيك الجميل في حضور هذه الجلسة لهو دليل وعيك الذي أهلكِ أن تصلي إلى منصب بروفيسور وأبحاثك الأكاديمية تزيد من ثقتي بك بعد هذه الجلسة ستقودين المسيرة عوضاً عني،

هذه الجرعة من الكلمات الايجابية مع استخدام كل وسائل التواصل الايجابي من النظرات ونبرة الصوت والإيماءات الجسدية أصبحت المسترشدة عندها قبول وإن كان بقلق وتردد وتوجس من شعور الزوج بالتنازل إلا أنها واصلت الاستماع وتطبيق ما يتم الاتفاق عليه مع الاخصائية

وبنداء محبب لقلبها ونفسها نادتها الاخصائية بكلمة بروفيسور.. عندي ثقة كبيرة بأنك ستزرعين الأمل من جديد وستملئينه دفئاً وعلاقة أسرية سوية وسيشهد التاريخ والأبناء أنك على قدر كبير من تحمل المسؤولية واعادة صياغة حياتكما من جديد، وهنا نحتاج أن نتعاون لإصلاح الوضع بمهارة وعلم الذي تؤمنين به.

أول الخطوات بعد هذه الجلسة سيكون لنا خطة عمل نلتقي فيها أربعة أيام خلال هذا الاسبوع

نناقش الدعم والإرشاد النفسي والأسري..

- الدوافع التي جعلت الزوج يتحول إلى ممارسة العنف والإصرار على ترك العمل.

- سبب الشعور الدائم بالذنب والنقص في تقدير الذات مصحوباً بالحزن والمزاج المطرب.

- الصحة النفسية والسلوك السوي لهما دور في تصحيح قدرة الشخص على التفاعل مع كل ما يحيط به وفقد الوعي المعرفي والسلوك القيمي والعقلي يقودكما إلى ممارسات وانفعالات التي تنتج تأثيراً على نفسيتكما فينشأ ما لا يُحمد عقباه من الغضب والقلق والتفرد في الرأي واستنقاص من فكر وسلوك الآخر بطرق مثيرة للجدل،،، وعدم الاهتمام بجانب الصحة النفسية والسلوكية خصوصاً الزوج وأفراد العائلة، وفي مثل ظروفكما هو أمر لا يجب السكوت عنه أكثر، فقد وصلتما إلى وضع مستهجن سيكون له تأثيراً على مستقبلكما قبل مستقبل الأبناء والترابط الأسري والمجتمعي

الشكوى

كنت متخوفة جدا من اشراك أحد افراد العائلة وكانت المخاوف تراودني منذ الخطوبة وزاد على ذلك كلمات أختي المطلقة واحدى صديقاتي بقولهن لي بعد العقد بأيام حين أطلب الطلاق سيكون هناك وبالٌ علي، ولن أتمكن من اكمال دراستي العليا في الخارج ومن الصعب السفر قبل الزواج، راقت لي الفكرة وصبرت لبعد انجاب ابنتي بسنتين سافرت مع أخي وزوجته لنكمل الدارسة معا، وزوجي فضل البقاء والاستمرار في عمله، حينها تم تأسيس أول فراغ عاطفي بيننا تقريباً وأكد لي ما كنت أخاف منه أيام الخطوبة والثلاث السنوات الأولى قبل سفري وانجابي لأبنتي،،

هذه إجابة لسؤالك متى كانت النقطة الجوهرية التي عمقت المسافة بيننا حين رفض السفر واكمال دراسته وعلى مدى أربعة أعوام أو يزيد عن ذلك وبعد عودتي والالتحاق بالوظيفة أدركت الأسباب الحقيقية التي جعلتني أتردد في القبول ولم أقتنع بعبارة قسمة ونصيب إنما هو سوء اختيار والعرف العائلي عند هذه العبارة أدارت بوجهها لتخفي بعض دموعها أو ألم الذكريات التي أثقلتها بالهموم وأسست فراقاً وتصحراً عاطفياً زوجياً أسرياً.

رؤية سلوكية

لقد تم استيعاب الزوجة منذ اللقاء الأول لم تُعطى أوامر أو تُنهر وتُعاتب على تاريخها الماضي من أفعال كانت هي أسباب رئيسية لموت الود بين الزوجين وأسست عنواناً سلبياً، نُعّرفه بالطلاق العاطفي لبعد الزمن والمسافة التي جعلتهما يعيشان جزءاً من حياتهما بعيدين عن بعضهما، فالآمال والتوقعات التي كانت تحلم بها الزوجة عند الاقتران هي كثيرة نتيجة للبيئة والحياة المرفهة التي كانت تعيشها من حالة انفتاح أسري وطموحات على المستوى الأكاديمي والمهني والمالي والانتقال إلى عالم آخر فيه كثير من الطبائع المتباينة بين البيئتين على الرغم من الاتصال النسبي، فالزوج هو ابن عمها الذي مقتنع أن الحياة الزوجية قسمة ونصيب والبقاء في منطقة الراحة إلى زوال الحياة والسعي للمال والمنصب يفسدُ الأخلاق والمرأة دورها الحقيقي هو خدمة الأسرة وتربية الأبناء لا مشاطرة الرجال في أعمالهم كما وصل به السلوك ممارسة العنف ومحاولة اجبارها على عدم العمل ويلوح في ذهنه عبارة لم يلفظها صراحةٌ، هي تعبر عنها بالغيرة منها أو الشك في سلوك خارج الأخلاق مما زادة الهوة والمسافة بينهما وتولّد عن ذلك التنافر والتصحر حتى على مستوى الحوار العام، فكان التباغض والريبة والشك تأخذ طريقها إلى المجهول وهذا لا يحقق المصلحة الزوجية إنما هو كاشف عن البعد السلوكي وهادم بيت الزوجية والمسيرة المستمرة في هذا البعد ستكون إفرازاتها الأسرية وَبال على الجميع..

1/ تعقيد في الروابط الأسرية والحياة الاجتماعية

2/ كشف كلما هو مستور محرماً شرعاً وهو مُعوَل هدم وتقويض امكانية عودة الحياة الزوجية والأسرية إلى طبيعتها

3/ الخوف من الضياع نتيجة لغياب الدور الحقيقي للمسؤول الأول عن رعاية الأسرة واتاحة هواجس ونشوء سلوكيات تخترق جدار الحصن العائلي

4/ القبول بالقيود السلبية دون السعي للإصلاح الزوجي من بناء سمعة ومكانة اجتماعية وتقدير واحترام وممارسة الحوار والعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة في الترابط الزوجي وارساء مفاهيم وقواعد هي محط اتفاق الشارع المقدس والعرف وعند العقلاء وتتواكب مع التحولات التي وصلت لها المرأة من أن تكون ركيزة لبناء المجتمعي في كل الأصعدة

عند مفترق الطريق

كل شيء كان يشير بالسكون والصمت يخيم على حياتهما بعد أن قررت فتح أبواب قلبها من جديد مع أن الكآبة لم تبارح حياتهما الزوجية مع العلم أن جلساتها مع الاخصائية كانت مستمرة بشكل إيجابي إلا أن هناك حدث جلل لم يكن في الحسبان أصابها بصدمة نفسية أذابت كل فرحها وسعيها وتنازلها بالقبول إلى حضور الجلسات كان هناك ما يطبخ من وراء الستار من قبل الزوج على نار هادئة دون علم الجميع وصلت أوراق من قبل طارق للباب يطلبها بالاسم ويعرف نفسه بالوكيل الشرعي عن الزوج ما أن فتحت الأوراق وقع الأمر المستهجن بطلب الحضور للتصديق على الطلاق...

ما هو الملاذ الذي ينبغي للزوجة الوثوق به والرجوع إليه لتخرج مما هي فيه إلى حالتها المنشودة

أسئلة هرمية متلاحقة تبحث عن اجابة بحزمة مفاهيم وقيم وسلوكيات انسانية نبيلة للانتهاء مما هي فيه،،،

البحث عن الأمل

لم تتمنى أن تصل إلى ما وصلت إليه الأمور بعد أن سعت إلى فتح نوافد وأبواب قلبها لقبول اللجوء إلى الاخصائية النفسية واصلاح وضعها الأسري إلا أن الأحداث متسارعة وتسير عكس ما تخطط له الزوجة ولثقتها بكلمات ومنهج ومهارة الاخصائية لازالت محفورة بعمق في ذاكرتها، لذلك ودون تردد اتصلت بالأخصائية وشرحت لها الوضع وهي مشحونة بالغضب والبكاء وكأنها عادة من جديد في مرحلتها الأولى علماً هي من كانت تطلب الطلاق قبل ذلك بسنوات، وقبل انهاء المحادثة وضعت خطة مع الزوجة وهي كنقطة انطلاق اضافيه لخلق اعادة التوازن ومعالجة الوضع الحالي والاستمرار في اصلاح ما تم الاتفاق عليه من انماء الجوانب الضعيفة في الترابط الأسري وخصوصاً في هذه الفترة مع الأبناء والتأهيل النفسي وفتح أبواب الحوار والمناقشة ومعرفة كثير من التفصيل عن الحياة الزوجية هي ليست محل مقارنة بين الزوج والموظف الذي يأتمر بأمرك والنزول من أعلى السطح وعدم ممارسة دور الفاهمة والعالمة والتكبر على المعرفة والتوجيه وكثرة اللوم والعتاب للآخرين

الزوجة: جعلني هذا السلوك أكون محبطة بعد هذا السعي وماذا علي أن اتصرف وأنا مطلوب مني مراجعة دائرة الأحوال الشخصية؟

الأخصائية: لقد غير التهذيب الايجابي منطقك وفكرك وأصبحتِ تزنين الأمور بطرق عديدة وتستخدمين أدوات ومفردات كاشفة عن نقاء قلبك وسريرة فؤادك وحسن علمك فليطمئن قلبك ستسير الأمور على أحسن حال وأنا من سيقود مسيرتكما إلى النجاح.

الأخصائية وعودة الحياة

بمجرد انتهاء الجلسة وخروج الزوجة لم أستطع تصديق هذا التحول السريع من قبل الزوجة لذلك تم التواصل مع الزوج مباشرة وطلب الاجتماع معه مستخدمة اسلوب التشجيع على أهمية الحضور للتفاهم فيما يخص الحياة المستقبلية مخبرة أن الزوجة عندها الكثير من الكلام والحوار معك حتى وأن كان مصيركما الانفصال... تم القبول وتحديد موعد بتثاقل

بين رسالتين

الرسالة الأولى / استقبلها الزوج عند اللقاء مع الاخصائية كلمات الشكر والثناء على قبوله الحضور والتحاور بصدق واخلاص ونية طيبة في فتح باب الحوار

الرسالة الثانية/ كان فيها من الايحاء النفسي ما دفع المسترشد للحوار والتعبير عن شدة حزنه موجه الاتهام لمشاعر الزوجة بقوله: إنها عديمة الاحساس متبلدة المشاعر، الناس عندها شهادات وأرقام ومظاهر حتى أوصلتني للاشمئزاز والغضب وخوفي على الأبناء هو ما جعلني لسنوات أكون صامتاً وجعلتها تعيش لنفسها، وسلوكي الأخير كان بدافع وضعها في دائرة البحث عن حل أو الاستمرار في انهاء العلاقة، وحقاً أقول أنا لم أشأ أن تصل بي الحالة إلى ممارسة العنف إلا أن الجو كان مشحوناً بالغضب والكلمات المهينة لي أمام الأبناء وترفض الخضوع أو السؤال نهائيا فجعلتني مخنوقاً فلم أجد أمامي غير ممارسة هذا السناريو وإن كان قاسياً إلا أنني شبه متأكداً إنها تخاف من أن يقال عنها تحمل وثيقة مطلقة، فهذا التصرف الذي ترغبين معرفتها أخبرتك به باختصار.

ولا أقصد هنا ليس عندي نقص أو سوء سلوك وعدم اتخاد القرار المناسب في الوقت المناسب، بل التقصير الذي أوصلني إلى ما أنا عليه اليوم هو حالتي النفسية التي عشتها من الصغر باسم الفقر والتدين وإن عائلتي تختلف عن عائلة عمي الفريد للوالد، علماً أن الأعمام هم من عُلية القوم اسماً ومالاً وقبولي بشروط الزوجة في اكمال دراستها وبعدي عنها وهي في الغربة ما جعل المسافة تعظم بيننا وأنها في حوارها دائماً ما تقول لم أرغب بالزواج منك إلا لأجل السفر ولم يكن أمامي خيار آخر وأنا في الثلاثين من العمر ولم أتزوج، بقي هذا الجرح النفسي يغيظني كلما تذكرت ذلك، وهناك أمور أخرى أنت تدركينها من خلال حديثك معها اليس كذلك؟

تنفس الصعداء كثيراً بعد أن كان مسترسلاً في الحديث وهو يخفي في جوانبه كثيراً من الحزن ووجه قطعة من الاحمرار، حاول كثيراً يشعل سيجارته ويستدرك أنه في مكان ممنوع التدخين فيه.

شكلت هذه الجلسة نقلة توعية على المستوى النفسي والسلوكي وقبول الزوجين بالعودة للحياة الزوجية ورفض وثيقة الطلاق وقبول وثيقة الميثاق الغليظ وما حدث سيكون من الماضي وأن كان يحمل من الذكريات الجارحة والمؤلمة لكن الاستمرار في التعامل وزراعة الكلمة الطيبة والمحبة والاستمرار بالسلوك السوي يمكنهما من انتقال تلك الذكريات بأحداثها إلى الذاكرة البعيدة مع الالتزام بعدة جلسات علاجية في الارشاد النفسي الزواجي على ثلاثة أبعاد:

1/ المنهج الانمائي بهدف تدعيم الايجابيات وتعديل وازالة السلبيات والعقبات لرفع كفاءة الشخص.

2/ المنهج الوقائي ونهدف منه التحصين النفسي ومنع حدوث مشاكل مستقبلية والوقاية والكشف المبكر بالتشخص السلوكي المعرفي للمشكلة المسيطرة على النفس والسعي المتواصل لمنع تطورها وتقليل آثارها.

3/ المنهج العلاجي في الحالات المتطورة يحتاج الجمع بين الطبيب النفسي والاخصائي النفسي خصوصاً في الحالات الحرجة لتحقيق نتائج علمية سليمة.

وأخيراً هناك سقف واضاءات لا يمكن تجاوزها والتنازل عنها عرضت في المقالات السابقة وهناك اضاءات تربط بين الأحداث تنفصل وتتصل عن بعضها بسناريوهات في قصص زوايا أسرية ويبقى التحدي في الطي والسعي للنسيان، لماذا وماذا وكيف حدث ذلك؟ والاستعداد في ضل مزيج من الكلمات والمفردات الايجابية الداعمة لتعزيز الصحة النفسية بالتعاون والتآلف والتسامح والحوار والمناقشة عنوانكم الدائم الذي سيشكل سهولة الوصول إلى تجاوز كل الأزمات وبناء محاور وقيم وسلوكيات زوجية مغايرة ناهين جميع الهواجس التي كانت محط ازعاج وسبب رئيسي لسوء الفهم في انماء الحياة الزوجية.

انتظرونا في سناريو آخر لزوايا أسرية نناقش فيها المنهج الانمائي والوقائي والعلاجي لحكايات أسرية بين الماضي والحاضر،،،

كاتب سعودي ومدرب في شؤون الأسرة