آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

جاءكم شهر الرحمة فاعرفوه

قبل الحديث عن آليات وأعمال الاستقبال اللائق بالشهر المعظم وما يلائم عظمته ورفعة شأنه، لابد من الإشارة إلى الجانب التعريفي بما حباه وحفه به الباري من امتيازات ونفحات تنتظر منا تلك الهمم العالية لتحصد جوائزه، فإن من الخطأ أن لا نتعرف على ما أودع سبحانه في ثناياه من لآليء مكنونة لا يستخرجها إلا من كان يمتلك صفات الورع والخوف من الله تعالى ويرجو عفوه ورضوانه تعالى، وأما أولئك الغافلون الذين أسكرتهم شهوات الدنيا فقد خسروا الدخول في مضمار التنافس لنيل جوائز الشهر الكريم، بل ظلوا في غفلتهم وما عرفوا له قدرا وعكفوا على معاصيهم دون أن تحدثهم نفوسهم بتوبة تحييهم وتعيدهم إلى رشدهم.

يكفي بالإنسان أن يطلع على خطبة رسول الله ﷺ في نهاية شعبان وهو يتحدث عن مميزات وخصائص شهر رمضان، فهو شهر تتنزل فيه الرحمة الواسعة من كل باب وطريق على الصائم لتنتشله من طريق الغفلة، فالشهر الكريم نفحة زمانية تقذف فيها ذنوب العباد وتمسح من سجل أعمالهم مهما تكاثرت، وذلك لا يعني أن التوبة في غير شهر رمضان لا تقبل بل بمعنى أنه تكون التوبة فيه أدعى للاستجابة والقبول، ومن جوائزه أن رقاب العباد العصاة تشملهم المكرمة الإلهية بعتقها والعفو عنهم، كما أن الثواب يتضاعف على أي عمل صالح يتقرب به لله عز وجل، فالعقلاء يوبخون من يفوت جائزة دنيوية مادية بسيطة، فكيف بمن يعرض عن مواهب ربانية ترقي درجته في نعيم الجنان؟!

والمهم في الأمر بعد التعرف على عظمة الشهر ومقامه الرفيع، هو إعداد البرنامج الاستعدادي اللائق به بما يشتمل على مراجعة شاملة لكل نقاط القوة والضعف في شخصياتنا، مع تسليط ضوء المحاسبة والرقابة على أقوالنا وتصرفاتنا لتكون في سياق المضامين القرآنية، فمجاهدة النفس وتهذيبها من النقائص والعيوب هو الخطة التي يتهيأ بها الصائم للاستقبال المشرف، واضعا نصب عينيه الوصول لهدف الخوف من الله تعالى والانجذاب لذكره والوقوف بين يديه في أوقات يخلو فيها بمحبوبه، متخليا عن مشاغل الدنيا وقد صفى قلبه من المطامع والجري اللاهث خلف حطام الدنيا الزائل.

اغتنام الفرص من صفات العاقل فلا يفوت ما يسعفه على الوصول إلى ساحل النجاة والخلاص، وها هي فرصة لا تعوض بالدخول إلى مضمار الشهر الكريم بإصلاح النفس والتهيؤ لكسب الملكات التكاملية كالصدق والأمانة والحياء، وصون جوارحه من الخيانة كنظرة الحرام واستماع قول السوء كالغيبة والنميمة، فهذه اليقظة الروحية تنميها برامج الدعاء والمناجاة والتي تحلق فيها الروح في عالم الفضيلة وطلب أعلى الدرجات فيها، فحينما نستشعر لذة الطاعة ونتألم مما مضى من تقصيرنا وأخطائنا ونعقد العزم على التغيير الإيجابي، نكون حينئذ على مستوى المسئولية والاستعداد لنيل جوائز شهر الرحمة والرضوان.