آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

صناعة المحتوى والأفكار في المنصات

المهندس أمير الصالح *

بسبب مطالبات المتابعين الكثر بالجديد، يتعرض أصحاب مواقع اليوتيوب والسناب شات وكاتبي صفحات الفيس بوك ومغردي التويتر وأصحاب الصحف الرقمية لضغط متواصل وشديد بتجديد المحتوى على منصاتهم تلبية للمطالب وللحفاظ على اهتمام المتابعين أو السعي إلى كسب المزيد منهم. وليس بالسهل اليسير على من لديه الملايين من المتابعين والمشاهدين أن يغفل من تحديث محتوى منصته بأفكار جديدة ومحدثة باستمرار. وهذا الضغط المستمر يجعل صانعي المحتوى أما في حالات إبداع علمي أو أدبي مستمر ونهم معرفي دؤوب وسعة أفق متجدد. أو على النقيض من ذلك أي ضيق أفق وتكرار لما قيل بصيغ متنوعة وبالتالي تراجع عدد المتابعين وانحسارهم ثم انطفاء وهج الموقع، الصحيفة، البودكاست، أو المنصة. ولا بأس بتسليط بعض الضوء على هذه الجنبة.

عندما تتراجع أعداد المتابعين، تتولد من رحم ضيق الأفق للمغرد منعدم القراءة أو مدعي صانع المحتوى والأفكار إلى القرصنة الفكرية. ففي البداية يذهب بعض مدعي صنع المحتوى إلى اعتماد السرقة العلمية ممن ليس لديهم متابعون كثر أو استنساخ أفكار قائمة دون أي عناء في التمحيص العلمي أو عناء إضافة في القيمة للمحتوى الفكري أو عمل تجديد في النظرة للموضوع من زوايا مختلفة.

ولذا لا تستغرب من تكرار عرض ذات المحتوى عندما تتنقل من موقع لآخر أو من مغرد لمغرد آخر أو من بودكاستر الو بودكاستر ثان له. شخصيا، سمعت بودكاستات ورأيت يوتيوبات وقرأت مقالات لمن سقطوا في تلكم الأزمة واعتمدوا النسخ واللصق والسرقة العلمية دون ذكر المصدر وتجيير الأفكار لموقعهم.

ما يعمق هذه الظاهرة هو أنه في الآونة الأخيرة ومع جفاف استمطار الإبداع الفكري وترهل صنع المحتوى من قبل بعض اليوتيوبر والمغردين والبلوغر وأصحاب برامج التلفاز والبودكاستر في بعض الأوطان، يصدق في بعضهم القول ”آنَ لأبي حنيفة أن يمدَّ رجليه“. فقد أفلس البعض من مدعي الثقافة ومدعي صناعة المحتوى إفلاس شنيع ومدوي. ولذا لا تستغرب من تضخم موقع اليوتيوب والتويتر والانستجرام بأرقام فلكية لمقاطع وتغريدات بسبب تكرار ذات الأفكار بشكل ممل وبخيس وسيء. ومن الأمانة العلمية على صانعي المحتوى الإعلامي والأفكار أن يتوقفوا بعض الوقت لتزويد أنفسهم بوقود المعرفة من خلال القراءات المثمرة من المصادر الصحيحة، بدل الانزلاق في بحور السفاسف في التغطيات لمواضيع تافهة أو السرقة العلمية.

ومن جهة أخرى على المتلقي أو المتابع أو القارئ أن يكون أكثر وعيا وحرصا على أوقاته عندما يتصفح أو يتابع مغرد ما من أن يتلقى كل شي دون نقد وتمحيص لكي لا يكون عقله مكب لما يرمي به صانعو المحتوى المفلسين. فقيل قديما garbage in is garbage put.

خرجنا لتو كمجتمع من شهر رمضان الكريم حيث صناعة المحتوى الروحي والعبادي وجرعات الأدعية الجميلة. مع توازن بتغذيات ترويح نفسي متزن وترفيه كوميدي معقول وتغذية أخلاقية طيبة. وللحفاظ على المكتسبات النفسية والروحية والعبادية والفكرية والعاطفية لكل منا، اعتقد أنه لا بد من تجنب:

- المحتوى الإعلامي الهابط الذي يتغذى على سفاسف الأمور

- المحتوى الفكري المتأزم والمهزوم والمأزوم

- المحتوى المعرفي المثير للشفقة لانعدام روح البصر والبصيرة فيه

- المحتوى الخطابي الضحل والطفولي الهش

- المعالجات السطحية وغير سوية

- المحتوى الجدلي العقيم والغير مجدي

صانعو المحتوى الجيد عندما يحسنون توظيفه يمكنهم أن يجنون أموال طائلة أو إقناع أعداد كبيرة من خلال زرع فضائل معينة. عندما تسأل أحدهم لماذا يشاهد تلك القناة بشكل مستمر أو يسمع تلك المحطة الإذاعية بشكل مجدول، سيجيبك أن المحتوى المذاع يلبي ويشبع جوعه المعرفي أو العلمي أو الترفيهي. وبالعموم لا بد أن نحسن الاختيار كصناع محتوى أو مستهلكين له. ضعف صنع المحتوى المفيد والعملي يجعل الكثير من الاتباع حتى لأصحاب الأيدلوجيات يندثرون أو يتقلصون أو يقرأون لمن يصنع المحتوى المفيد والمبدع حتى لو كان لا يحمل نفس مسلماتهم الأيدلوجية.

همسة 1: ما يتكالب عليه صناع المحتوى بكل أنواعها هو وقتك. لأن وقتك أضحى سلعة تباع وتشترى ويسترزق أناس منها بناء على إهدار وقتك أو استثمار أطول مدة تقضي بها وقتك أمام المنصات والمواقع وأكثر عدد من الضغط على زر المتابعة والإعجاب وإعادة التغريد. فأنت أبصر بنفسك فيمن تعطيه وقتك وعقلك ومالك.

همسة 2: أقيم استفتاء ميداني في بعض الدول عن اهتمامات مستخدمي تطبيق تواصل اجتماعي عن المحتوى الذي يثير اهتمامهم. أوجدت الدراسة أن الاهتمام ب متابعة أخبار مفاتن عارضة فاتنة حصل على نصيب الأسد وأن الاهتمام بمصير موارد الأرض حظي بأدنى مستوى له! ما هي اهتمامات أبناء مجتمعك وما هو المحتوى والأفكار التي يتابعونها وتشغل معظم أوقاتهم؟

همسة 3: سهولة صنع المحتوى المرئي في منصات مثل تك توك «مليار ونصف مشارك» ويوتيوب وسهولة فتح غرف الدردشة في تطبيق كلوب هوس تشجع كل من هب ودب أن يكون صانع محتوى ويمرر أفكاره. فأناشد كل أبناء مجتمعاتنا دونما تخصيص بأن يكونوا أهل للمسؤولية قبل بث أي محتوى قد يسيء لأبناء المجتمع أو يشوه أفكار الجيل الصاعد. كل أرباب الأسر يعيشون تحديات متصاعدة وكبيرة في التشكيل التربوي للأبناء في ظل وجود خوارزميات ذكية «الذكاء الصناعي» في بناء وتغذية محتوى وتشخيص ميول الأبناء لا سيما الصغار منهم. وأنت أولى بتوجيه أطفالك ونفسك نحو المحتوى الذي يجعل حياتك أكثر سعادة وبركة وخير.