آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

بيت زجاج

محمد أحمد التاروتي *

يتناسى البعض هشاشة موقفه، وافتقاره للقواعد الصلبة، وفقدانه للظهر القوي، مما يدفعه لممارسة أدوارا تتجاوز حجمه الطبيعية، انطلاقا من الغرور الذاتي، وأحيانا بالاستناد على الحليف القوي، بيد ان تلك الممارسات سرعان ما تتحول الى رصاصة في الصدر، سواء نتيجة اكتشاف الحجم الطبيعي للذات، او بسبب تجاهل الحليف لنداءات الاستغاثة الصادرة منه، مما يمهد الطريق للتحول من الهجوم الى دفاع، الامر الذي يؤدي لوقوع هذه الفئة فريسة سهلة في شر اعمالها.

الاستناد الى الظهر القوي، او محاولة اظهار القوة الزائفة، مرتبطة بالتضخم الزائد والإحساس بالقدرة، على مواجهة الأطراف الأخرى، الامر الذي يدفع لارتكاب العديد من الممارسات غير المبررة، من خلال إعطاء الذات مساحات واسعة، لممارسة التعدي على الاخرين، انطلاقا من المغالطات الداعمة لتلك الممارسات غير المبررة، حيث تحاول إضفاء الشرعية على تلك الاعمال، والعمل على تكريس وقائع على الأرض، وبث ثقافة داعمة لتلك الممارسات في البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان محاولات تحكيم العقل والمراجعة الحكيمة، لايقاف تلك الممارسات تذهب ادراج الرياج، نتيجة وجود نوازع ذاتية تدفع باتجاه المضي قدما، في تكريس هذه الممارسات على الأرض.

اكتشاف الضعف الذاتي، وعدم القدرة على تغيير الواقع الاجتماعي بالقوة، عملية أساسية في إعادة الأمور للمسار الصحيح، فهناك العديد من الممارسات ليست قادرة، على احداث تحولات ملموسة على الأرض، نظرا لامتلاك أصحابها الإرادة والمصداقية لمواجهة الغرور الذاتي، المتمثل في تجاوز الخطوط الحمراء، والعمل على فرض امر الواقع على الأطراف الأخرى، وبالتالي فان التحرك المضاد يعطي نتائج ملموسة في الغالب، فالعملية مرتبطة بالقدرة على فضح القدرات الذاتية، مما يسهم في إيقاف الممارسات غير المبررة، خصوصا وان التحول من الدفاع الى الهجوم يحدث ارباكا لدى الأطراف الأخرى، مما يفقدها القدرة على التوازن وتسجيل النقاط، بحيث تبرز على اشكال مختلفة، مما يعني اكتشاف القدرات الذاتية، وعدم القدرة على ممارسة أدوارا، تتجاوز الاحجام الطبيعية في الواقع الاجتماعي.

الضربات الموجعة عنصر أساسي، في ابطال الأدوار المزيفة، التي تحاول بعض الأطراف القيام بها، فهناك العديد من الاعمال يصعب تمريرها على الواقع الاجتماعي، فتارة كونها غير قابلة للتطبيق على الواقع القائم، وتارة أخرى بوقوفها في المواجهة المباشرة مع الثقافة السائدة، مما يمهد الطريق للتصادم السريع، وبالتالي فان المواجهة المباشرة تولد حالة من العداء الصريح، بحيث يهيئ الأجواء للدخول في معارك مباشرة، الامر الذي يساعد في تلك توجيه ضربات موجعة، انطلاقا من مبدأ الدفاع عن النفس، واستخدام مختلف الوسائل الممكنة، للحفاظ على الكيان الاجتماعي من الاختراقات الطارئة، بمعنى اخر، فان المعارك المباشرة تمثل احدى الوسائل للقضاء على الادواء ”البطولية“، التي يحاول البعض لعبها لفرض نفسه على البيئة الاجتماعية، انطلاقا من قناعات بعضها ”نرجسية“، والبعض الاخر مرتبطة بالمغريات الخارجية، الامر الذي يولد حالة من الغضب الداخلي، بحيث يتجلى في المواجهة الشرسة، والتي تفضي في الغالب لبعض الخسائر، والنتائج المتفاوتة على جميع الأطراف، بيد ان المواجهات المباشرة تزيل الحجب عن العيون، وتعيد الأمور للوضع الطبيعي، خصوصا وان بعض المعارك يصعب تحقيق انتصارات واضحة فيها، مما يستدعي العودة لنقطة الصفر، والاحتفاظ كل طرف بمواقعه التي سبقت المعارك الشرسة.

الايمان الكامل بضرورة التحرك بوعي، وعدم الانجرار وراء الاحلام ”الوردية“، عناصر أساسية في الحفاظ على القواعد الحاكمة في المجتمع، خصوصا وان محاولة تجاوز الخطوط الحمراء تدخل الجميع في إشكالات حقيقية، وتسهم في توتير العلاقات القائمة، الامر الذي يستدعي الحفاظ على المواقع، وتفادي لعب أدوار تتجاوز الاحجام الطبيعية، باعتبارها الشرارة التي تحرق الكثير من المراكب، وتحول دون الوصول الى شاطئ الأمان، فقديما قالوا ”من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجر“.

كاتب صحفي