آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

المهندسات السعوديات والرحلة الشاقة نحو التمكين

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

شهد العام 1964 قبول 67 طالباً في ”كلية البترول والمعادن“، والتي هي الدفعة الأولى بعيد تأسيس الكلية العام 1963، فيما أقيم أول حفل للخريجين العام 1971، حيث حمل أربعة شُبان شهادات بكالوريوس في الهندسة.

الكلية التي تحولت تالياً إلى ”جامعة البترول والمعادن“، لتغير اسمها لاحقاً إلى ”جامعة الملك فهد للبترول والمعادن“، هي واحدة من الصروح الأكاديمية المرموقة في منطقة الخليج العربي، والتي تخرج منها مئات المهندسين والعلماء والمختصين في حقولٍ عدة، رفدوا السوق المحلية، وتحديداً في القطاعات الصناعية والبترولية، وعدد منهم تبوأ مناصب رفيعة في الحكومة السعودية، سواء كوزراء أو وكلاء وزارة أو مديري مشاريع حيوية وعملاقة.

يوم 7 أكتوبر الجاري، احتفلت الجامعة بالتحاق الدفعة الأولى من الطالبات للدراسة بمرحلة البكالوريوس، وهو المنعطف المهم في تاريخها، والذي يشكل تغيراً في أنماط التفكير داخل المنظومة التعليمية، وأيضاً في نظرة المجتمع المحلي للتخصصات التي يمكن للفتيات دراستها، خصوصاً أن ”جامعة الملك فهد للبترول والمعادن“ ومنذ تأسيسها كانت حكراً على الرجال فقط، رغم وجودها على بعد أمتار قليلة من شركة ”أرامكو“ التي تضم عدداً من الكفاءات العلمية النسائية السعودية، وبينهم مجموعة من المهندسات والمشرفات على مشاريع إنتاجية وإدارات مختلفة، وأغلبهن بنين أنفسهن بجهود ذاتية، ودرسن في جامعات محلية ثم أكملن تعليمهن في الخارج عن طريق الابتعاث عبر ”أرامكو“، أو من خلال دراستهن المباشرة في الولايات المتحدة أو بريطانيا وسواها من الدول الأجنبية. ”أرامكو“ كانت بيئة استوعبت النساء منذ وقت مبكر، ربما بسبب ثقافتها المختلطة، والتي كانت مكاناً للعمال والمهندسين الوافدين من دول أجنبية وعربية عدة، وبعادات وتقاليد وأنماط تفكير متنوعة، ما جعل هذا التنوع مصدراً للثراء العملي، وساهم في خلق بيئة أقل تعصباً تجاه النساء.

لقد كان للنساء أماكنهن الخاصة المفتوحة، وكُن يقدن السيارات داخل الشركة، وكانت لديهن حرية أكبر؛ باختصار، كانت ”أرامكو“ بيئة أكثر قبولاً للآخر، لأنها تهدف لبناء نماذج عملية ناجحة، وتحقيق تنمية لها طابعها الاجتماعي، من خلال أدوار كانت واضحة وخصوصاً في بداياتها، في تركيزها على تنمية مهارات مثل التواصل المعرفي وبناء المدارس والمكتبة المتنقلة وسواها.

وجود مهندسات أجنبيات جنباً إلى جنب مع نظيراتٍ لهن من السعودية، حفز الكثير من فتيات المملكة على خوض غمار التحدي، ودفع بهن إلى أن يكسرن الصورة النمطية التي تحتكر العمل البترولي أو الصناعي بين يدي الرجال.

هذه الثقافة رغم انتشارها، إلا أن هنالك بعض جيوب الممانعة الاجتماعية لها، وأيضاً لم تكن الأنظمة التعليمية تصب في صالحها خارج أسوار ”أرامكو“؛ ولذا، تعتبر الآن خطوة ”جامعة الملك فهد للبترول والمعادن“ ذات مغزى كبير، لأنها تجاوزت التفكير التقليدي - وإن متأخرة - الذي يدفع الفتيات للدراسة في تخصصات نمطية مثل: الطب، التمريض، التعليم.

أي تغيير يحتاج إلى رافعة اجتماعية، وخصوصاً أن المجتمعات تخضع لموازين قوى متعددة، لا تريد أن تسلم مقالديها إلى سواها، ولا أن تتنازل عن مناطق نفوذها؛ ولذا التغيير الذي حصل في السعودية جاء مدفوعاً بقرارات ملكية واضحة، ورؤية اعتبرت أن النساء شريكات في التنمية والإصلاح والتغيير، وأن التطور والتنمية لا يمكن أن تحدث دون مشاركة الفتيات السعوديات وبشكل رئيس، وليس حضوراً تكميلياً تجميلياً!

التنوير حتى في القارة الأوروبية، لم يكن ليحدث دون كتابات الفلاسفة، ونقاشات المثقفين، والجدالات الحرة والعلنية بين التيارات المختلفة؛ إلا أنه أيضاً لم يكن ليتم لو لم تقم ”الدولة الوطنية“ بدورها، ودفعت بقوة ”القانون“ وما تمتلكه من إمكانات مادية ونفوذ نحو جعل ”التنوير“ حقيقة عملية ماثلة، وليس مجرد أفكار جميلة، ولذا، نحن الآن بحاجة لتعزيز وتكريس هذه الرافعة كي يتجاوز المجتمع أغلال الماضي والتفكير السلبي ضمن القوالب الجامدة.