آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

”طالعة من بيت أبوها رايحة بيت الجيران“

المهندس أمير الصالح *

في الستينات من القرن الماضي، كان بعض الشباب لماح خاطف في نظراته نحو الفتيات المتنقلات عند تنقلهن من بيت والدها نحو بيت جيرانهن. وسواء نظرات الشباب للفتيات يومذاك كان بهدف التمييز لمعرفة شخص المتنقل أو بغرض التخطيط للاقتران المستقبلي بإحداهن. إلا أنه بالمجمل نظر خاطف وليس تحديق مطول وتجسيدي. وكما سمعنا عن أبناء الأجيال السابقة، تمر تلكم النظرات الخاطفة بشكل سريع والأمور في ”السيمباتيك“ وكان الكل يساهم في حفظ وصيانة مستوى الحياء بدرجة عالية داخل الشارع والحي والمجتمع والمدينة والوطن.

جملة اعتراضية، عنوان المقال مقتبس من مطلع قصيدة ومن ضمن أبياتها التالي:

طالعة من بيت ابوها رايحة لبيت الجيران
لابسة الأبيض والأحمر والعيون تضرب سلام
قلت لها يا حلوة ارويني على طولك فرجيني
قالت لي روح يا مسكيني يا طولي قوام البان
قلت لها يا حلوة ارويني عا عيونك فرجيني
قالت لي روح يا مسكيني يا عيوني عيون الغزلان
قلت لها يا حلوة ارويني على وجهك فرجيني
قالت لي روح يا مسكيني يا وجهي قمر نيسان … القصيدة

تم غناء تلك القصيدة من قبل المغني الراحل ناظم الغزالي صاحب الصوت الجميل وكذلك الفنان صباح فخري بألحان موسيقى عراقية فلكلورية مميزة يطرب لها بعض أبناء الأجيال السابقة واللاحقة. انتهت الجملة الاعتراضية واستأنف كتابة باقي المقال.

تتغير المجتمعات كما تتغير كل الأمور من حولنا والتغيير هو الأكثر حدوثا من حولنا. إلا أنه وفي بعض المجالات وبناء على ما نشاهده فإن سوء توظيف البعض لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر ثقافات المياعة والتغنج أضحى نذير شؤم وهدم للحياء ونواميس العفة. وأكاد أن أجزم أنه لو أتيح لنفس كاتب أبيات تلكم القصيدة السابقة وأتى في عصرنا هذا لقال في مطلع قصيدته ”طالعة من بيت أبوها رايحة للكوفي شوب“. ومن المؤسف أن البعض من الشباب المعاصر نظراته للفتيات محدقة في الفتيات بشكل مخدش للحياء وهابط ومطول ودون تمييز بين المتعففة والمتبرجة. والأدهى من ذلك أن بعض الفتيات يخرجن من بيوتهن متبرجات ومتزينات وبشكل شبه تسويقي شعاره ”بص شوف أنا حلوة قد ايه، بس اوعى يمكن الدغك وارفع دعوى تحرش ضدك“. حتى أضحى في بعض الدول لكل كوفي شوب وكل مطعم تصنيف شبابي بناء على قياس الحياء والانحلال. وليس غريبا فكما كنت تسمع عن مدينة مشهورة بكثرة الرياضيين والأندية الرياضية، أصبح الآن يطرق سمعك تصنيف أحد مطاعم الكوفي شوب كنقطة التقاء خالعي الحياء.

الحياء صفة جدا جميلة لا سيما في المرأة وكانت تلك الصفة وما تزال نقطة ارتكاز في تمييز فتيات العوائل المحافظة والارستقراطية المرموقة وبيوت النبلاء من العوائل الخشاش أخلاقيا والبيوت الهابطة سلوكيا. ومن المعلوم بأن بعض فتيات الغجر والمُبتذلات يشاهرن بعدم الحياء ونزعه من وجوههن وإجهارهن بالابتذال.

أخيرا، من الجيد أن يراقب كل فتى وتراقب كل فتاة عندما يخرجون / يخرجن من بيوت آبائهم / آبائهن مستوى الحياء في أنفسهم / هن ويتجنبوا مواطن الشبهة ووحول الرذائل ومستنقعات أهل الغواية. ولكوننا في إحدى مواسم التكاثر البيولوجي حيث أن الشاب الناضج والمستقل يبحث لنفسه عن شريكة حياة والفتاة الواعية المتعلمة تبحث لنفسها عن شريك حياة، فإن الكوفي شوب من وجهة نظري ليس هو المكان المناسبة لانتقاء الشريك. ولا بأس من أن يستعين الشباب والفتيات بآليات أكثر مصداقية وأكثر حياء وأكثر رجاحة فأهل الخبرة من القدماء تركوا إرث جيد في مضامير الحياة المتنوعة ومنها السبل الأنجع لانتخاب الوعاء الأفضل والأنسب للتكاثر. أسأل الله الحفظ والسلامة للجميع.