آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

القادمة من عالم النور

السيد ماجد السادة *

الزهراء نور تنزّل بنعمة الله ومنّه في بيت أذن الله أن يرفع «خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين حتى منّ الله علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه» تنزّل النور في رحلة حفتها السماء بكل إجلال منطلقة من عالم النور يوم أن «الله عز وجل خلقها من نور عظمته» سابحة في عالم النور آلافا من الدهور قبل خلق الخليقة، قوتها التسبيح والتقديس محدقة بعرش العظمة والقدرة، فلما شاءت السماء أن تمن على أهل الأرض بنورها رسمت لذلك النور تفاصيل رحلة مجللة بكل آيات التعظيم والإكبار، فتنزلت في عالم الأصلاب وقد اختارت السماء لها أشرف خلقه، فلما سارت إلى عالم الأرحام اصطفت لها أطهرها، وعندما أرادت لنورها البزوغ في عالم الدنيا أرسلت لاستقبالها أبرز سيدات السماء تلك ثلاث محطات امتازت بها سيدة النساء في رحلتها من عالم النور وحتى الميلاد.

المحطة الأولى: انتقال النور إلى عالم الأصلاب.

استفاضت الروايات التي أنبأتنا بانعقاد نطفة الزهراء في صلب أبيها ﷺ من ثمار الجنة ومن تلك الروايات قول الزهراء لأمير المؤمنين عليهما السلام «اعلم يا أبا الحسن أن الله تعالى خلق نوري وكان يسبح االله جل جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاما أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وادرها في لهواتك ففعل فأودعني الله سبحانه صلب أبي ﷺ» فالرواية أفهمتنا بأن الله تعالى لما أراد أن يودع نور الزهراء في صلب نبيه الأكرم ﷺ أودعه جنته، وزيادة في التعظيم أخذ نبيه في رحلة عروج ليبلغ الفردوس لتكون الفردوس وساحة الرضوان هي محل لتلقي ذلك النور العظيم.

بل أكثر من ذلك فالرواية تفيد بأن انعقاد نطفة الزهراء في صلب أبيها تم في جنة الفردوس الأعلى وليس في عالم الدنيا الدنية، لذا هي «حوراء إنسية لا انسية» فمن ثمار الجنة تكونت نطفتها وفي جنة الفردوس انعقدت في صلب أشرف الخلق، ولكن الأميز من ذلك كله هو ذلك الاستثناء الإلهي لهذا النور إذ جرت السنن أن البشر بما فيهم الأنبياء والأوصياء كانوا في صلب آدم حتى تنقلوا في الأصلاب والأرحام إلا سيدتنا الزهراء فلم يتنقل نورها في تلك الأصلاب والأرحام وإنما قذف نورها وبلا واسطة إلى صلب أبيها مباشرة دون أن تتنقل في الأصلاب وإنها بذلك لتضارع في كرامتها كرامة نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام الذي لم يتقلب في عالم الأصلاب ولا الأرحام ولا عجب فمقام الزهراء أرفع شأنا.

المحطة الثانية: انتقال النور من عالم الأصلاب إلى عالم الأرحام.

لما أراد الله أن ينقل هذا النور من عالم الأصلاب إلى عالم الأرحام هيأ لحظة الانتقال بأربعين يوما من الاعتزال عن خديجة والانقطاع فيها إلى الله تعالى يقوم ليلها ويصوم نهارها، فلما تخفف بدنه الطاهر من طعام الأرض بعد أربعين يوما قضاها صائما اختتمت مراسم المحطة بمائدة من السماء كما أبلغتنا بذلك روايات العصمة وفيها «فأكل النبي ﷺ منها شبعا وشرب من الماء ريا ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل وغسل يده ميكائيل وتمندله إسرافيل» واي مراسم احتفاء هذه لحظة انتقال هذا النور إلى عالم الأرحام حتى حرمت السماء على رسولها أي عبادة سوى القيام بواجب نقل هذا النور بإتيان أهله الطاهرة أم المؤمنين خديجة قائلة «الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك هذه الليلة ذرية طيبة».

نعم فقد تهيأ الرحم الطاهر لاستقبال هذا النور والتهب القلب شوقا للقيا الحبيب بعد طول فراق، فلما طرق بابها رسول الله ﷺ تقول خديجة «فقمت فرحة مستبشرة بالنبي صلى الله عليه وفتحت الباب ودخل النبي المنزل - إلى أن قالت - وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها فلا والذي سمك السماء وانبع الماء ما تباعد عني النبي ﷺ حتى حسست بثقل فاطمة في بطني» وهكذا وبكل هذا الإجلال والتعظيم لزهراء الرسالة تمت رحلة النور من عالم الأصلاب إلى عالم الأرحام.

المحطة الثالثة: «لحظة الميلاد» انتقال النور من عالم الأرحام إلى عالم الحياة الدنيا.

بعد أن استقر هذا النور في رحم أكمل نساء عصرها أم المؤمنين خديجة بدأ النور يشع برحمته فكان حملا خفيفا لم تعاني منه أمها بل كان مؤنسا لها يحدثها، حتى نما ذلك البدن الطاهر الذي سيحمل هذا النور العظيم، وما هي إلا أشهر تسع حتى جاءها المخاض فإذا بالسماء تحتفي ببزوع هذا النور في عالم الدنيا مرسلة أربعا من سيدات الجنة تتقدمهم مريم العذراء وآسية بنت مزاحم وسارة واخت موسى ليستقبلوا بضعة رسول الله ﷺ وروحه التي بين جنبيه عند أول تشريفها لعالم الدنيا، فما إن وضعتها حتى أشرق منها النور فغسلتها نسوة السماء بماء الكوثر ولفتها بثياب الجنة.

إنها الزهراء القادمة من عالم النور وهي تحط بعالم الدنيا.

قد تجلت بضعة المختار طه *** فاكتسى الكون بهاء من ضياها