آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:41 م

قصة قصيرة

موعد متأخر جدًا

عبد الباري الدخيل *

أثقل عليه المرض كثيرًا، خنقه فيروس كورونا، وأشعل في جسمه النار، وأوجعته الكحة بسياطها.

كاد أن يختنق مرات عدة، لولا مبادرة الأطباء إلى وضعه تحت الملاحظة الدقيقة.

استمر تحت الأجهزة الطبية أيامًا لا تستقر حالته، فبين ارتفاع درجات حرارته وانخفاضها سباق، وبين شهيقه وزفيره صراع.

كانت الحقن التي تُغز في جسده تسخر من ضعفه، واستسلامه، وكأنه لم يكن القوي الذي وقف أمام الجميع، ولم يردعه عن ارتكاب ذنب خوفٌ من أحد.

ليس أثقل عليه من المرض سوى وجوه الضحايا، ودموع المظلومين، وقد تحولت قصصه التي يفاخر بها قبل أيام إلى سياط تتلوى على جسده.

كان الليل أخرسًا إلا من أصوات الأجهزة، ونفسه المتعب، وأصوات الضعفاء وهم يدعون عليه، وبقايا ضحكات كان يطلقها معلنًا انتصاره في معاركه ضد المساكين.

أخذ ينظر إلى سقف الغرفة، وخاطب نفسه: ماذا ستفعل إن غادرت الدنيا وأنت مطلوب لكل هؤلاء؟!

وأجاب: لست مطلوبًا لأحد، هم كانوا أغبياء، سلموني أموالهم.

? وجارتك التي أحبتك ووثقت بك وبعد أن لطختَ شرفها تركتها؟!

? كانت فقيرة، من أين سأصرف عليها؟!

? والأطفال الذين آذيت نفسياتهم ومزقت أجسادهم؟!

? اتركني من هذه الذكريات.

? وماذا عن أختك التي أخذت أموال زوجها وادعيت أنك خسرتها في الأسهم؟

? لقد خسرتها.

? خسارتك كانت من الأرباح، ورأس المال لم يتغير، لكنك ادعيت أنك خسرت الجميع.

? كانت فرصة اقتنصتها بذكاء.

? إذاً جهز أفكارك الذكية للإجابة على أسئلة الملائكة يوم الحساب.

? لن أحتاج لسؤالهم، سأتوب صباح الغد، وسأعيد الأموال لأصحابها، وسأعتذر لكل من أخطأت في حقهم.

ارتاح لهذا القرار، وأغمض عينيه.. ونام على أمل موعد الغد، إلا أنه لم يستيقظ.