آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

قراءة في كتاب: السيد محمد العلي الأحسائي.. سيرة ومرحلة

الدكتور عادل حسن الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد رب العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى.

لقد اهتم القرآن الكريم بقصص الأنبياء والأوصياء والأولياء والصالحين وذكر نماذج متعددة من حياتهم، وكان لهم مناهج أوصلتهم إلى الرقي والسؤدد وجسدت السبل التي من خلالها يتاح لمن عاصرهم أو أتى من بعدهم أن يقتدي بهم وأن يسير على منهجهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [1] ، ومن الواضح لمن أراد أن يتبع منهجًا ينبغي عليه أن يتعرف على الشخصيات المؤثرة واللامعة في ذلك المنهج كي يستطيع أن يتجنب العثرات ويجتاز العقبات ويصل إلى مبتغاه بيسر وسهولة، ولذلك أكد الباري عز وجل على ذلك، فبيّن أهمية التأسي بالرسول ﷺ لكونه أفضل الخلق الواصلين إلى الحق، قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ[2] ، وأمر بالاقتداء بالأنبياء والرسل بشكل عام، قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [3] . ولا شك أنّ العلماء هم ورثة الرسل والأنبياء والأوصياء الذين حذوا حذوهم وتخلقوا بأخلاقهم، وقد جاء الحديث الشريف يفصح عن ذلك، قال ﷺ: ﴿علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل [4] . ومن علمائنا العاملين الذين كان لهم دور كبير في قيادة المجتمع في الأحساء الحبيبة هو العلامة القاضي السيد محمد بن السيد حسين العلي السلمان رضوان الله تعالى عليه «1320 هـ  - 1388 هـ »، فكانت له القيادة الدينية والروحية والقضائية.

وقد صدر حديثًا كتاب بعنوان: «السيد محمد العلي الأحسائي.. سيرة ومرحلة»، يتناول فيه الكاتب سيرة العلامة السيد محمد العلي العطرة، والدور الجليل الذي قام به في تصديه للأمور الشرعية والقضاء في حاضرة الأحساء. وهذا الكتاب من تأليف المهندس عبد اللهبن محمد إبراهيم البحراني. وقد ذكر فيه كثيرًا من الحيثيات والتفاصيل والخصائص التي اتصف بها هذا العالم الجليل، وقد وُفق غاية التوفيق في ذكر مطالب جمة تتعلق بشخصيته الكريمة، يمكن أن يستفيد منها العلماء والقضاة وطلبة العلوم الدينية وكذلك عامة الناس. وقد قرأت الكتاب وأعجبت بقوة سبكه وحسن تبويبه وجميل عرضه، وبما اشتمل عليه من معلومات تاريخية. والمهندس البحراني باحث مهتم بتاريخ وتراث الأحساء ورجالاتها.

- الكتاب: السيد محمد العلي الأحسائي.. سيرة ومرحلة

- تأليف: م. عبد الله بن محمد إبراهيم البحراني

- الطبعة: الطبعة الأولى 1437 هـ / 2016م

- الصفحات: 406 صفحة من القطع المتوسط

جمع المؤلف المادة البحثية الأولية عن شخصية المترجم له من خلال المقابلات الشخصية، حيث قابل 36 شخصية ولمدة ثلاث سنوات، واعتمد أيضًا على بعض المصادر الثانوية التي تناولت شيئًا من حياته. وقد بوب المؤلف الكتاب في 12 فصلا. واشتمل الكتاب على ملاحق بها وثائق تاريخية وأرشيف للصور. وأتت فصول الكتاب كما يلي:

الفصل الأول: الموطن «الأحساء»:

في هذا الفصل تحدث الكاتب عن الأحساء المعطاءة كواحة نخيل وبحيرة نفط، ثم تكلم عن مدينة المبرز مكان سكنى المترجم له. وأخيرا ذكر شيئا من الشعر مما قيل في الأحساء.

الفصل الثاني: «آل السلمان».. الأسرة المباركة:

تحدث الباحث في هذا الفصل عن نسب سادة السلمان وتكلم بشيء من الإيجاز عن سيرة وحياة السيد حسين العلي والد المترجم له، وعن أسرته وذريته وأصدقائه.

الفصل الثالث: السيد محمد وأبناؤه:

في هذا الفصل تكلم الباحث عن شخصية السيد محمد ومولده ونشأته وعن أسرته وزوجاته وربائبه وذريته.

الفصل الرابع: مسيرته العلمية:

تكلم الباحث في هذا الفصل عن تحصيل العلامة العلي العلمي وعن أساتذته وتلامذته، وعن مكانته العلمية وعلمه وفضله، وتطرق للوكالات الشرعية التي أعطيت له من قبل المراجع العظام في عصره، وهم: الشيخ محمد رضا آل ياسين، والسيد محسن الحكيم الطباطبائي، والسيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

الفصل الخامس: شمائله وصفاته:

تكلم المؤلف في هذا الفصل عن زهد وورع العلامة العلي، وتكلم عن تواضعه وتسامحه واهتمامه بالأرحام والأيتام. وأشار إلى دوره في تجسير العلاقة مع المجتمع الأحسائي شيعة وسنة مع ذكر بعض المواقف.

الفصل السادس: في مجلس القضاء:

تحدث الباحث في هذا الفصل عن طبيعة القضاء في الماضي، وتكلم عن القاضي الأول الذي تولى مهمة القضاء الرسمي في الأحساء وهو السيد حسين بن السيد محمد العلي في عام 1331 هـ . ثم تكلم عن دور السيد محمد العلي في القضاء ومجلس القضاء والمجلس الاستشاري. وأشار إلى اعتذار السيد العلي عن القضاء، لكن لم يقبل اعتذاره، واستمر في القضاء إلى حين رحيله إلى الرفيق الأعلى. ثم تكلم عن القضاء بعد رحيل العلامة العلي.

الفصل السابع: نشاطه الاجتماعي:

في هذا الفصل أشار الباحث إلى نشاط العلامة العلي الاجتماعي، على سبيل المثال: اهتمامه بالمساجد والحسينيات، ودفاعه عن مذهب أهل البيت ، ودعمه للتعليم النظامي، وتفاعله مع الشأن العام، وتصديه لجلسة ثبوت الهلال، ورحلات الوعظ والإرشاد.

الفصل الثامن: وقفة مع الشعر:

في هذا الفصل عرض الباحث بعض القصائد الشعرية التي نُظمت في سماحة العلامة العلي في حياته وبعد مماته. وأشار المؤلف إلى القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا من شعر السيد العلي، والتي رد فيها على قصيدة الأديب الشاعر الحاج محمد بن حسين الرمضان «أبو سمير». ولهذه القصيدة قصة لطيفة، سوف يستمتع القارئ بقراءتها في صفحة 235 من الكتاب.

الفصل التاسع: في خدمة سيد الشهداء:

تكلم المؤلف في هذا الفصل عن اهتمام العلامة العلي بإحياء مجالس العزاء لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين ، حضورًا ودعمًا.

الفصل العاشر: مواطن العظمة:

في هذا الفصل أبان الباحث أن عظمة السيد العالم برزت من خلال عدة ممارسات وتصرفات عظيمة قام بها رضوان الله تعالى عليه. ومنها على سبيل المثال، عُرف عنه أنه دائما يُغلب المصلحة العامة على مصلحته الشخصية. وبرزت عظمته في تشجيعه لأصحاب الكفاءات وبالذات الشباب وهذا ما حصل في تشجيعه للشاعر محمد الرمضان والخطيب السيد عمران السادة وغيرهم.

الفصل الحادي عشر: في الذاكرة الاجتماعية:

عرض الباحث في هذا الفصل ما قيل في السيد العالم من قبل بعض الشخصيات الأحسائية الذين عاصروه.

الفصل الثاني عشر: رحيله إلى ربه:

وفي الفصل الأخير تناول الباحث الأزمة القلبية التي ألمت بالسيد الجليل والتي على إثرها انتقل إلى جوار ربه. وتكلم عن التشييع المهيب الذي حضره جموع غفيرة من أهالي الأحساء سنة وشيعة.

مسك الختام:

ختاما لا يسعني إلا أن أشيد بهذا الكتاب الرائع، وأبدي إعجابي بما احتوى من تاريخ شفهي في غاية الأهمية عن شخصية عظيمة مثل شخصية العالم الفقيه القاضي السيد محمد بن السيد حسين العلي السلمان. حقيقة لقد بذل الباحث المهندس عبد الله البحراني جهدًا كبيرًا في جمع المادة الأولية عن هذا العالم الكبير، حيث استعان بذاكرة من عاصروه واحتكوا به فيما كتبه عنه. شيء جميل أن ذلك الفتى الصغير الذي لم يبلغ من العمر إلا اثني عشر سنة حين رحيل العلامة السيد محمد العلي، أن يشمر عن ساعديه ويشهر قلمه ليكتب عنه ويترجم له بعد رحيله بخمسين عامًا. فشكرا لك أيها الباحث الفذ على هذا الجهد الرائع المبارك.

[1]  سورة يوسف: الآية 111.

[2]  سورة الأحزاب: الآية 21.

[3]  سورة الأنعام: الآية 90.

[4]  العلامة الحلي، تحرير الأحكام الشرعية، ج1، ص 38، ط1، 1420 هـ . النشر: مؤسسة الإمام الصادق ، قم. تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: الشيخ جعفر السبحاني. http://lfile.ir/feqhi-library/book70.pdf. تم الإطلاع عليه في 22/3/2017م.