آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

النازيون الجدد.. عود على بدء

نجيب الخنيزي صحيفة الجزيرة

حادث مقتل امرأة وجرح العديد من المعارضين لمسيرة نظمها يمينيون متطرفون في مدينة شارلو تسفيل بولاية فيرجينيا الأمريكية يومي 11 و12 من شهر أغسطس الجاري سلط الأنظار مجددًا إزاء ظاهرة صعود اليمين القومي المتطرف في الولايات المتحدة. ووقع الحادث بعدما نشبت اشتباكات عنيفة بين قوميين بيض حضروا للتظاهر وآخرين مناهضين لها.

كما رفع المتظاهرون من اليمين المتشدد الأعلام الكونفدرالية للولايات، وحملوا دروعًا، وارتدوا خوذات واقية احتجاجًا على قرار إزالة تمثال الجنرال روبرت إي. لي من تشارلوتسفيل، وهو الجنرال الذي قاد القوات الكونفدرالية أثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة في الفترة من 1861 إلى 1865م.

كما حمل القوميون البيض قناديل، وارتدوا ملابس يرى مراقبون أنها ترمز إلى جماعات عنصرية، انتشرت في فترة معتمة من تاريخ الولايات المتحدة باسم «كو كلاكس كلان»، كما أنشدوا بعض الهتافات التي جاء فيها «حياة البيض مهمة» أثناء مرور مسيرة لهم عبر مقر جامعة فيرجينيا في المدينة.

يعتبر بعض المحللين أن انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة والشعارات والتصريحات التي طرحها إبان حملته الانتخابية، والتي تشي بمعاداة الأقليات الإثنية والعرقية، كان لها دور مهم في إعادة الحياة للتوجهات القومية المتطرفة، بما في ذلك ما يطلق عليهم النازيون الجدد.

كما يعتقد أن لوسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في الترويج للأيديولوجيات اليمينية المتطرفة.

ووفقًا للمركز القانوني الجنوبي للفقر، وهي مؤسسة أمريكية بارزة، تدافع عن الحقوق المدنية، قولها إنها تراقب الآن أكثر من 1600 جماعة متطرفة ناشطة في الولايات المتحدة.

وحسب ما جاء في تقرير، كتبه كل من الوم بوخاري وميلوس يانوبولوس في موقع برايتبارت اليميني، فإن جماعات اليمين المتطرف تضم في صفوفها «مثقفين» و» محافظين فطريين» و» فريق متخصص بشؤون الكمبيوتر». ويقول ريتشارد سبنسر، الذي ابتدع تعبير «اليمين المتطرف» في عام 2008، إن مبادئ الحركة تركز على «الهوية البيضاء» والمحافظة على «الحضارة الغربية التقليدية».

قد يتبادر إلى الذهن أن هذه النزعة القومية والدينية والأيديولوجية المتطرفة هي أمر طارئ في الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية، وأن المجتمع الأمريكي العريق في ليبراليته وبرجماتيته سرعان ما سيتجاوز هذه المرحلة الحرجة من انتعاش الأصولية والقومية المتطرفة، وتصدرها قمة القرار الأمريكي.

غير أن الوقائع والشواهد لمسار نشوء وتشكُّل الأمة الأمريكية تؤكد أن الأصولية المسيحية كانت على الدوام حاضرة وقوية ومؤثرة منذ أن ارتبطت مع المهاجرين البيض الأوروبيين إلى العالم الجديد «إنجلترا الجديدة»، الذين كانوا مسكونين بإيمان ويقين أنهم يجسدون أمرًا إلهيًّا، وأنهم من لدن الله «الأطهار» كما يزعمون، وكان مرجعهم المطلق هو التوراة، وأن الشعب الجديد هو «شعب الله»؛ وبالتالي فإن كل مخالف لنموذجهم هو عدو الله، هكذا يزعمون، وأنه لا شيء يحدث بدون مشيئة الله أو بفعل الشيطان. ومن هذه الزاوية هناك أوجه تشابه وتماثل بين تشكُّل الولايات المتحدة الأمريكية وقيام دولة إسرائيل.

وفي الواقع فإن موجات المهاجرين الأوائل هم من أسسوا وشكلوا ملامح الأيديولوجيا الأمريكية، التي تقوم على أن الدولة الجديدة هي من اختيار الرب.

وتختصر اليزا ماريا تستراس في كتابها الرئيس حول الأساطير الأمريكية التأسيسية المواقف الأساسية الأربعة للبيض تجاه الهنود على النحو الآتي:

أولاً: الهنود هم سيئون بالطبيعة وهم أولياء الشيطان وأن المطلوب هو إلغاؤهم بكل بساطة.

ثانيًا: يرى البيض أن للمزارعين «البيض» حق السيادة بالضرورة على الصيادين من الهنود.

ثالثًا: التاريخ حسب التصور المسيحي وحيد الخط ومنطوٍ على تطور ثابت نحو مزيد من الحضارة. ومن الواضح أن الهنود لا يزالون في طور بدائي وتاليًا دون هذا التطور.

رابعًا: وهو أكثر براجماتيكية؛ فالهنود يعيشون على أرض يحتاج البيض إليها، وليس في واردهم الملك المشترك، فما على الهندي سوى الرحيل أو الزوال. وهكذا تناقص عددهم إلى 600 ألف نسمة عشية الاستقلال الأمريكي «1776»، ثم تقلص عددهم إلى 220 ألف نسمة 1910، وكانوا يعيشون في محميات «عوازل» كالحيوانات، ولم يتسن حصولهم على الجنسية الأمريكية سوى في 1924.

والقصة ذاتها تكررت مع السود، الذين جُلبوا وتم اصطيادهم من إفريقيا كالحيوانات، واستُعبدوا واعتُبروا مجرد أدوات ومتاع حتى منتصف القرن التاسع عشر، بفضل تفاعل وغلبة النزعة الإنسانية المسيحية والأيديولوجية الليبرالية التي عبَّر عنها الرئيس أبراهام لينكولن؛ ما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية «1860 - 1865» بين الشمال والجنوب، التي أسفرت عن هزيمة الجنوب، وتم الإلغاء القانوني للرق، غير أن سياسة التميز العنصري ضد السود استمرت على المستويات السياسية والاجتماعية والتشريعية، حتى بداية الستينيات؛ ويعود ذلك لنضال الحركة المدنية للزنوج المناهضة للعنصرية التي قادها مارتن لوثر كينج الذي اغتيل لاحقًا على يد عنصري أمريكي أبيض.