آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

ومضة نقدية لرؤية شلبي في كربلاء

وديع آل حمّاد

يوصي بوذا تلاميذه بالتفحص والتثبت والتدقيق والملاحظة والتأمل والتفكير السليم وعدم قبول ما يسمعونه دون قراءة نقدية للتأكد من صحته وزيفه كتأكد الجواهري للذهب.

يقول بوذا: «انظروا فيما إذا كان هذا الذهب حقيقيا أم زائفا، وكذلك الأمر نفسه مع الأفكار، فلاوتتقبلوا تعليمي ببساطة، فقط لأنكم تنظرون إلي بعين الاحترام والمحبة، إن هذا ليس سببا كافيا للإيمان بما أقول».

ما أوصى به بوذا لتلاميذه جعلته منطلقا لي في كتابة هذا المقال الذي يشكل بلورة نقدية لرؤية المؤرخ والمفكر المصري المعروف الدكتور أحمد شلبي حول واقعة كربلاء والإمام الحسين .

الدكتور أحمد شلبي شخصية علمية موسوعية بارزة، فمن خلال موسوعاته ومؤلفاته ومقالاته الكثيرة التي أثرى بها المكتبة العربية احتل موقعا مميزا في الساحة العلمية العربية في حقل التاريخ وفلسفته والحضارة العربية. ونزوعه نحو فلسفة التاريخ جاءت نتيجة تعلمه في جامعة كامبردج الإنجليزية على يد مجموعة من المستشرقين، الذين يولون لفلسفة التاريخ أهمية.

ولبلورة الورقة النقدية حري بي أن أثير التساؤل التالي:

ما أهم معيار ينبغي أن يتصف به كاتب التاريخ وصاحب الإطروحة الفلسفية للأحداث؟

أهم معيار ينبغي أن يتسم به كاتب التاريخ هو الالتزام.

وماذا يعني الالتزام في كتابة التاريخ؟

سأترك الإجابة عنه للدكتور الشلبي لأعلق عليها فيما بعد.

يقول الدكتور الشلبي: «لعل أوضح معنى للالتزام هو وجوب مشاركة المفكر في قضايا قومه الدينية والوطنية والإنسانية».

ويقول أيضا: «من الالتزام في التاريخ كذلك أن نقدم للتلاميذ والطلاب في المدارس والجامعات، وأن نبعث صورا تبعث القوة وتشحذ الهمة من التاريخ الإسلامي والتاريخ الوطني، لعلنا نربي بذلك النشء تربية تجعله يحب دينه ويحترم الأسلاف ويسعد بالتراث ويرتبط به».

ولأهمية هذا المعيار في نظر الدكتور الشلبي يناشد بإسمه الكتاب والمؤرخين الالتزام به: «بإسم مبدأ الالتزام نحن ندعو إلى العودة إلى طريق الصواب، لنتخذ من ماضينا مشاعل تهدي طريقنا في الحاضر والماضي».

هنا نتساءل: هل الدكتور الشلبي التزم بهذا المعيار في مقاربته الفلسفية التاريخية لواقعة كربلاء ولشخصية الإمام الحسين ؟

لاشك أن هذه القامة العلمية افتقرت إلى مقوم أساسي في معالجتها لواقعة كربلاء ألا وهو التفكير السليم الذي يرتكز على دعامتين أساسيتين هما: التجريد والتطوير، وأقصد بالتجريد التجرد من الأفكار السلبية المنبعثة عن الإيديولوجيا والعصبية العقدية المذهبية والمسبقات الذهنية. أما التطوير فالمقصود به تطوير الأدوات المعرفية.

والدكتور الشلبي لاشك بأنه يمتلك أدوات معرفية استقاها من الغرب يمكنه الإتكاء عليها في مقاربة حدث كربلاء بموضوعية وبمنهجية علمية وبأدوات فلسفة التاريخ ولكنه اتكأ على إيديولوجيته المذهبية التي حاصرته وجعلته يعيش صراع «الأنا مع الهو» الأنا المتمثلة في التعصب المذهبي والهو يتمثل في المغاير له مذهبيا. هذه المحاصرة كانت أكبر معوق له في الوصول إلى الحقيقة، إذ باتت حجابا سميكا تحجب الرؤية عنه، فلا يرى الأشياء كما هي.

ونستطيع أن نقول: بأنه من الطبيعي جدا أن نجد هذا الباحث الذي يقارب الأمور بعقلية مغلقة ونزعة طائفية أن يقع في منزلقات عدة، بخصوص مقاربته لواقعة كربلاء، منها:

- تبريره لمعاوية توريث ابنه يزيد الحكم.

يقول الشلبي في هذا الصدد: «تعيين معاوية خلفا له عمل حكيم، وأن كون الخليفة الجديد من بني أمية أمر مسلم به للضرورة»

- مسألة توريث معاوية ليزيد ينبغي ألا نعتبره أمر هرقلي ولانحمل معاوية مسؤولية صياغة التوريث وصبها في عقول المسلمين، بل الأولى أن نحمل المسؤولية ووزر هذا الصنع لبني هاشم.

يقول في هذا المقام: «عندما تولى الحسن مكان أبيه عقب مقتل الأب ألا يجعلنا هذا نعتقد أن بني هاشم هم الذين بدأوا بخلق فكرة التوارث في الحكم الإسلامي».

- الإمام الحسين رجل يفتقر للخبرة والتدبير والإدارة، وبالتالي ليس مؤهلا للقيادة.

يقول الشلبي في هذا المقام: «الحسين بن علي ففضله أنه من الأرومة الطيبة، وأنه قريب النسب بالمصطفى صلوات الله عليه، وفيما عدا ذلك لا يثبت له التاريخ تجارب سياسية أو إدارية متعددة أو بارزة تجعله يفضل غيره في حمل العبء».

- الإمام الحسين ويزيد في - نظره - في منزلة واحدة، إذ يقول: «و إن كان يزيد لم يكن أقل من منافسيه».

- مسؤولية قتل الإمام الحسين لا تقع على يزيد بمفرده بل يشاركه في المسؤوليه الحسين نفسه لعدم استماعه لنصائح من نصحه بعدم الخروج وسماعه للذين دفعوه لثورة خاسرة وأيضا الذين دفعوا الحسين للثورة.

بعد استعراض منزلقات هذه القامة العلمية نطرح مجموعة من التساؤلات، برسم الجميع:

- أين الحكمة فيما صنعه معاوية؟

- من هو أولى بالتصديق رسول الله ﷺ الذي يقول بأن الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا أم هذه القامة العلمية التي تنفي أهلية القيادة عن الحسين؟ أ ليست الإمامة هي القيادة؟

- هل البحث العلمي الموضوعي القائم على الملاحظة الدقيقة يقود الباحث إلى أن الإمام الحسين ويزيد في مقام واحد؟ هل ما قاله الرسول ﷺ في بيان منزلة الحسين: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» خارج تغطية هذا الباحث؟

- هل اطلع الباحث على سيرة الإمام الحسين وما يتصف به من حكمة واتزان وروية ورأي ثاقب وسديد وقراءة الأمور بعقلانية؟ لو اطلع الباحث على هذه الصفات التي يتصف بها الإمام الحسين لما أشرك الحسين في مسؤولية قتل نفسه واتهامه بأنه إنسان مغرر به.

وفي الأخير أستطيع أن أقول بأن هذه القامة العلمية استفرغت جهدها في البحث لتبرير قتل الحسين ورفع المسؤولية عن قاتله واتهام الحسين بالمغامرة والتهور لعدم سماع من نصحوه.

أين الالتزام في كتابة التاريخ الذي يناشد بإسمه الدكتور الشلبي الكتّاب والمؤرخين؟ هو يجعلنا نقول بضرس قاطع بأنه بمنأى عن مفهوم الالتزام الذي قعّد ونظّر له.

هل الصورة التي قدم الدكتور الشلبي بها واقعة كربلاء والإمام الحسين تنسجم مع مفهوم الالتزام الذي يراه؟ بالطبع لا تنسجم، فتقعِّيده وتنظِّيره شيء وتطبيقه شيء مغاير.