آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:44 م

ظهورٌ قويّ باعتبار أمني ممنهج

ليلى الزاهر *

‏ربما تستشعر قوة الإنسان عندما تلتفت للإعجاز الإلهي في قدرته على استثمار الطاقة الهائلة بداخله، وتحويل المخزون الذهني إلى إنجاز عملاق يُبهر الجميع.

وعندما تُسْبر في أغوار هذه القوة الخالدة سوف تُرْجعها لقوة الله تعالى الذي نفخ نفخة من روحه المقدّسة في الإنسان ليهبه الحياة، قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ.

وقد مدح رسولنا الكريم ﷺ المؤمن القوي وفضله على المؤمن الضعيف وأنْ كان كلاهما نبع خير بإيمانه.

وإذا كان التظاهر بالقوة الجليّ في ثرثرة البعض دافعا للابتعاد عن طريق القوة ذاته فهو يُفضي إلى اصطناع عبقرية مزيفة إلا أن الالتفات لقوة الإنسان في منظورها العلمي شاهد على الظهور القوي له في أرجاء هذا الكون. وماتلك المركبات الفضائية والعلوم الطبية والأبحاث المتجددة إلا نظير قوة الإنسان الذهنية الجبارة التي أبدعت تطويرا وفتحت الأبواب الموصدة ليُظهر الله نور العلم فوق ظلمات الجهل.

ويظل الإنسان يقحم قوته في طرق مختلفة وأن تسنّى له قتل ثلاث مئة ألف إنسانٍ بقنبلة مدمرة في ثلاث ثوانٍ كما هو شأن قنبلة هيروشيما، أو ربما تظهر قوته التي تتحول لقسوة صارخة جرّاء طمس ملامح الفطرة الصالحة بإشهاره للسلاح في وجه بني جنسه قاتلا ومريقا للدماء البريئة باسم التعصب أو الإرهاب.

من جهة أخرى يحرص الإنسان المؤمن على أن تكون قوته موجهة في طريق واحد طريق الخير لايحيد عنه أبدا؛ لأن منبع تلك القوة قراءة إيمانية واعية تتخلل وجدانه وقلبه. هي قوة مانعة صادّة عن طرق الشر بأنواعه المستبدّة. إن قوة المؤمن تنساب جداولها من الرحمة الإلهية وتقف به عند زوايا الحب المُلهِمة للخير بشتى صنوفه ليكون ظهوره ظهورا قويّا يحمل سمات الأمان الفكري والعلمي.

فهذا رسول الإنسانية ﷺ يوجّه سؤاله بحزن شديد متسائلا عن فرخ ذلك الطائر المتألم.

في الحديث الشريف عن عبد الله بن مسعود قال:

«كنَّا مع رسول الله ﷺ في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي ﷺ فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها».

ورأى عليه الصلاة والسلام قرية نمل قد حرقناها، فقال:

من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: «إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار»

هذا هو الأمن والأمان المنبثق من العروة الوثقى، الشامل لجميع المخلوقات على السواء دون تمييز لجنس أو عرق أو دين.

إن طرق الخير التي تربي القوة في الإنسان تجعله يترفّع عن ارتكاب الشر وتصوّب نظرته في الحكم على الأشياء ويكمن سبب ذلك في انتظاره لنهاية حتمية تضع كل إنسان في موضعه المناسب. قال تعالى:

﴿إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى.

وما كان الإرهاب إلا نِتاج غياب الفطرة السوية في نفوس البعض وضلال الفكر

الذي يُفضي بصاحبه للتخبط واصطناع عالم خاص له يضجُّ بالعنف يخوله قتل الآخرين ويجعله يتبنّى وسيلة من وسائل الإكراه في المجتمع الدولي.

فهل أصبح للشرّ أعلام زَيْف يظهرون بين الفينة والأخرى يحاربون الخير إلى أن يدفنوا أهله ويقبروا أحبابه؟!

وهل أصاب العالم الفيزياء الشهير ستفين هوكينغ عندما غرّد قائلا: «أصبح البشر أكثر عدوانية وأن مستقبل البشرية سيكون على كواكب أخرى غير الأرض، بل أنه تم اختراع آلة تساعد الانسان على التنفس في المريخ لأن التنفس هناك هو أحد التحديات التي ستواجه من يرغب بالعيش على سطح المريخ»؟

لقد أكّد الباحثون في المجال الإنساني أن الإرهاب وليد ثقافة حب السيطرة ونشر الحقد الآثم بشكل يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية الصحيحة فمن الواجب التصدي له بالكلمة والعمل معًا ونبذ أصحابه والدفاع عمّن أصابه لهيبهُ الأسود وهذا ماتبنته نيوزلندا شعبًا وحكومة عندما قال مسؤول نيوزلندي:

نيوزلندا وأستراليا مأوى للجميع ولا مكان للحقد والكراهية فيها، يقطنها الجميع بسلام ولن نسمح بتكرار هذا الحدث المؤلم. وجميل من الشعب النيوزلندي التسابق لوضع الورد أمام المسجدين موضع الحادث الإرهابي مسجلين بذلك هزيمة كبرى للتطرف والإرهاب.