آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

عقيلة الحجاب ونبراس العمل

لا يمكن لأحد الادعاء بأن تسطير الكلمات كتابة ونطقا ستوفي حق هذه المرأة العظيمة في فكرها وعطائها ودورها الريادي الرسالي، فأنى لنا بفهم المستودعات والأسرار الإلهية والتي جعلها في نفوس طاهرة كالعقيلة زينب ، ولكنها إطلالات على هذه الشمس المضيئة بالفضائل والقيم العالية، فنستشرف منها ما يضيء لنا دروب الحياة ويقوي شخصياتنا من جهتين: التذلل للمعبود والبناء الروحي في محراب الطاعة والورع عن محارم الله تعالى، ومن جهة أخرى كيفية مواجهة التحديات والصعاب التي تحيط بنا بكل اتجاه، والإطلالة على النهج الزينبي نستشرف منها العبر، كيف ونحن أمام مجموعة من الدروس والقيم الزينبية التي ينضح منها الطيبة والتجلد على المصائب وقهر الظروف الصعبة في تجل للشخصية القوية والإرادة التي لا تكسر والنفس الطويل.

في أوقات صعبة يتطلع الناس إلى ومضة أمل تهبهم التفاؤل بالقدرة على مواجهة التحديات، إنها القدوة الغراء التي لا مثيل لها في إدارة أوقات الشدة بحكمة وصبر، فالحوراء زينب تعلمنا كيفية بناء الشخصية الرزينة البعيدة - كل البعد - عن التوافه والضياع، فالبناء العلمي والثقافي هو الأساس الذي يؤهل المرء لأداء دوره الحيوي والفعال في الحياة، سواء في علاقته بربه أو حسن ارتباطه مع الآخرين، والأهم من المرحلة النظرية هو تطبيق وتوظيف المخزون والزاد الفكري في معالجة ما نواجهه من مواقف، فمن يسأل عن سر العظمة والقوة في شخصية عقيلة الطالبيين ومواقفها الشجاعة الخالدة، فلينظر إلى منبت غرسها وبيئتها التي تغذت فيها المعارف الحقة علي يدي أمير المؤمنين وأمها سيدة نساء العالمين، فكان لسانها الناطق خلاصة وعصارة الفكر المحمدي الأصيل الذي يستند على أسس شرعية وبراهين منطقية، وهذا أحد أسرار فصاحة لسانها الحكيم المؤثر.

وأما السر الآخر لعظمتها فهو ما تملكه من تجلد وقوة بأس وتحمل لما تواجهه من مصاعب وظروف قاهرة، ولذا كانت قدوة حسنة للمؤمنين والمؤمنات في بحثهم وسيرهم نحو الحقيقة والكمال، إنه البناء المعرفي والروحي والأخلاقي للشخصية الوازنة.

وهل الإنسان في منطلق حياته إلا باحث عن هنائه وسعادته من كل ما يتحصل عليه ويجنيه من نتائج؟

ولا سعادة كالسير على نهج العابدة العارفة الصابرة زينب الطهر والعفاف ، ولا يأس في النهج الزينبي أو ضعفا في الإرادة في مواجهة ألوان الابتلاءات والمتاعب التي نصادفها، بل هو الاتكال على الله تعالى ووضع رضاه نصب العينين وإثبات الوجود بتنمية القدرات الخاصة والإسهام في تنمية المجتمع، ومع كل ما تحصلت عليه سليلة العفة والرشاد فلم يورثها ذاك إلا التواضع والبساطة في التعامل، وارتدت ثوب الوقار وصيانة النفس من الانزلاق إلى وحل الرذيلة والفحش، إنه حجاب العفة والحشمة مع أداء الدور الرسالي في جميع أبعاده.

ومع كل ما يثار عن تزييف لحقيقة المرأة القوية وإدراجها في نطاق التحرر والتبرج، إلا أننا نتمسك بالسيدة زينب والتي أعطتنا درسا في شق طريق المعرفة والعمل ولكن تحت عباءة الحجاب والستر، فليس هناك من معوق أمام المرأة في كل عصر لتنمية طاقاتها وإثبات وجودها ومكانتها، والحجاب رداء العفة وحفظ النفس من ريبة القلوب المريضة والأعين المتربصة، ولتكن الخفرة الهاشمية نبراسا للجميع في بناء شخصياتنا وفق الأسس الفكرية والإنجاز المتقن، وأما الحجاب في رؤية وعمل العقيلة فهو عنوان العزة والكرامة والعفة.