آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

«البوكر»... ما أشبه الليلة بالبارحة!

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

ما أشبه الليلة بالبارحة...!، قبل عشر سنوات، أي في العام 2009. نشرت دورية لبنانية اسمها «الغاوون» خبراً أحدث زلزالاً في الوسط الثقافي. حين زعمت بوجود «صفقة» لـ «تفويز» روائية لبنانية وصلت للقائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية.

قالت «الغاوون»، في عددها «21»، إن اجتماعاً رباعياً سرياً جمع مديرة الجائزة، والروائية المرشحة علوية صبح، والناقد المصري جابر عصفور، والكاتب والصحافي العراقي صموئيل شمعون، أفضى إلى «اختيار» الروائية اللبنانية وروايتها «اسمه الغرام» للفوز ب «البوكر»!

جرى الخبر مجرى السيل، محدثاً دماراً هائلاً في جدار الثقة بالجائزة، والمؤسسة الراعية، كما أصاب بنية العلاقة بين المثقفين العرب بمختلف مناطقهم الجغرافية. سمعنا كلاماً هجومياً في كل الاتجاهات، وأشده ضراوة كان ذلك الذي يحمل نبرة عنصرية أو استعلائية بين المثقفين تبعاً لانتماءاتهم المناطقية. قرأنا عبارات من قبيل «المحاصصة الجغرافية...!»، وثار المثقفون المصريون بنحو خاص وهم يتحدثون عن «مؤامرة» تستهدف الرواية المصرية، بعضهم رأى أن ما حدث يمثل «فضيحة» و«علامة على فساد المناخ الثقافي العربي»، وآخرون دعوا لفتح «ملفات الفساد والبيزنس الثقافي».

وللعلم فإن تلك الدورة وهي الثالثة لجائزة الرواية العربية «البوكر 2009»، ضمت روايتين مصريتين تأهلتا للقائمة الطويلة، وكلتاهما وصلت للقائمة القصيرة هما: رواية «وراء الفردوس» للروائية منصورة عز الدين. ورواية «يوم غائم في البر الغربي» للروائي محمد المنسي قنديل، وللعلم أيضا فإن تلك الدورة «2009» شهدت فوز أول روائي سعودي بجائزة «البوكر» العربية، هو عبده خال.

وحين صدرت القائمة القصيرة وهي تخلو من اسم الروائية اللبنانية علوية صبح، كان يفترض أن يعزز ذلك الثقة بالجائزة ولجنتها وحكامها، لكننا قرأنا كلاماً لا يختلف عن السابق، كتب بعضهم: «هل الاستبعاد المباغت للكاتبة علوية صبح من القائمة القصيرة بمثابة درء الشبهات، واتخاذها كبش فداء حتى لا تفقد الجائزة سمعتها بالضربة القاضية أم أن الأمور سارت في سياقها الطبيعي الذي يعبر عن ذائقة المحكمين؟»!

في كل الأحوال كانت الجائزة المرموقة متهمة، وكما حدث قبل عشر سنوات، حدث هذا العام حيث فشلت الجائزة في حماية أحد أهم أسرارها، وتراخت في تأمين جدار الثقة الضروري لعلاقتها مع الروائيين العرب. لأن التسريب فتح أبواب الشرّ على مصراعيها، فقد سمعنا من يقول إن التسريب هذا العام هدفه «فرض» فوز الروائية اللبنانية هدى بركات بالجائزة، و«وضع لجنة التحكيم أمام الأمر الواقع»، وهو اتهام جائر بلا شك وظالم للروائية نفسها. لكننا لاحظنا أن التسريب كشف عن ضعف الآليات المتبعة في بناء الثقة تبعاً لتقاليد الجوائز المرموقة، وهذا أقل ما يمكن وصفه.

جائزة الرواية العربية هي النسخة العربية من «البوكر» البريطانية، وتولت أبوظبي مشكورة رعاية هذه النسخة، ورصدت لها ميزانية كبيرة «يحصل الفائز الأول على 50 ألف دولار، ويحصل كل متأهل للقائمة القصيرة على 10 آلاف دولار، عدا عن تكاليف الإعداد والتحكيم والضيافة».

والجائزة في نسختها العربية ليست بالضرورة صورة مطابقة للأصل الأجنبي، هكذا هي - غالباً - المنتجات الثقافية التي يجري تعريبها تحمل سماتٍ من الأصل وسماتٍ من الهوية والنشأة، ولكن للأسف فهي أيضا تحمل سمات «الحالة العربية» التي تعاني من استفحال العنصريات والعصبيات الإقليمية والمناطقية ومن صراع الهويات... مع رصيد محدود في التجربة الديمقراطية وقبول المختلف.

التسريب كشف ضعف المؤسسات الثقافية، نعم، لكنه باستمرار يكشف هشاشة البنية الفكرية والثقافية والاجتماعية لعموم المجتمعات الثقافية العربية...!