آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

حديثٌ دَوَّى المفاوز

ليلى الزاهر *

بلا شك أن العمل متعب ، وإتقانه حظوة كبرى والوصول إلى الاحتراف فيه منقبة عظمى . لأننا ندرك بأن العمل حياة من حيث لايعلم البعض، حتى وأن كان التَبَرُّم ديدن الكثير في ذهابه لعمله في الوقت الذي يتمنى عمله الكثير ممن هم حوله .

إن لذّة العمل تبدو عندما يأخذ صاحبه أجره فتوصله لمرحلة الاكتفاء الذاتي عنالآخرين .

فكيف بالعمل الخيري الذي له حساب مفتوح من خزائن لاتنفد؟!

إن العمل الخيريّ له وقْعه المميز

وفضله أكبر من أن يُوازي الجبال سموقا وأجلّ من أن يُذكر في المحافل تباهيًا .

حقيقة مما دفعني لكتابة هذه الكلمات قصة سمعتها فأحببتُ مشاركة الآخرين بها، دون تصريح بأسماء أو تجريح لأحد .

تتلخص قصتي في حديث جمعني بإحدى زميلاتي ربما كان حديثا نادرا لأنه يحمل جميع معاني الرحمة.

أو ربما كان أشبه بعملة أصحاب أهل الكهف التي ضلّت وسط زحام العملات .

حدثتني عن العمل الخيري الذي يخلق حياة كوثرية رغدة في أرض أبيّة .

بدأت تعزف ألحانا تدوي بالمفاوز ليلًا وحلّقتُ بدوري في ساحة أفكارهاومقتنياتها الثمينة لأسمع سردّها الأنيق قائلة : كانت طالبة مثابرة ، محبة للعلم ، غراسها شهي ومخرجاتها العلمية طيبٌ أُكلها ، إلا أنها تشكو ضيق ذات اليد ، أيْتمها القدر ، وصبّت عليها أيامُ الدهرِ أحزانًا تترى ، أبصرت نفسها دون جامعة بعد مرض شديد فالجامعة لم تقتنع بأعذارها الطبية .

كانت في بداية مشوارها العلمي ، قررت أن أساعدها بكل جوارحي فقمتُبإعطائها القسط الأول لجامعة أهلية

ثم توالت الأقساط التي لم أستطع الالتزام بها لولا مساعدة بعض زميلاتي فيالعمل . إلى أن تم فضل الله وإحسانه عليها وتحولت للمنح الدراسية وأكملت مشوارها التعليمي وهي الآن في بداية خطواتها الوظيفية . استطاعت اجتياز جميع عقباتها وارتادت كل منازل الإنجاز بتفوق ، هي تستحق النجاح لأنها من ذويه .

قطعت أشواطا ، ومنحتْ من حولها الثقة فيها لمواصلة مساندتها طوال فترةتعليمها.

إن العمل الإنساني له طابع الرحمة ويستقي ينابيعه من المعين الإلهي لأن الرحمةمن صفات الذات الإلهية المقدسة ، وعنوانها الإنساني يبعث السعادة في هذا الكون الزاخر بهبات الله تعالى . إذ لايوجد إنسان يتفضّل على إنسان بمال أو بأي شيء آخر .

ما نحن إلا بشر يُسخّرنا الله تعالى لخدمة بعضنا بعضا ، قال الله تعالى في كتابه الكريم :

﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: 32].

عندما يفوح عبير التعاون وحب المسلم لأخيه المسلم تكتمل دائرة الحب في الله.