آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الجدل في المجتمع السعودي

جعفر الشايب * صحيفة الرأي السعودي

كأي مجتمع إنساني تحدث فيه تحولات كبيرة، يدور في المجتمع السعودي جدل متنوع حول مختلف القضايا التي تمر عليه، ويشكل هذا الجدل عرضًا لمختلف وجهات النظر وتعبيرًا عن تعدد الآراء حول هذه القضايا، مما يعني أن ذلك يشكل مصدر ثراء فكري، وتنوعًا في عرض المواقف المختلفة، كي تسهم في النظر إلى كل القضايا من زوايا مختلفة.

لكن المتابع لسبل الجدل وعرض الأفكار الدائر في مجتمعنا يلحظ أن هناك قصورًا في سبل العرض، بما يؤدي إلى خلق حالة من التوترات والصدامات السلبية بدلًا من الوصول إلى طرح متوازن ومتعدد الأبعاد، وهذا يقود إلى حالة من الجدل العقيم والحوار المتشنج دون الوصول إلى أي أرضية بناءة ومشتركة.

فالجدل حول العديد من القضايا الاجتماعية والفكرية لا يزال سطحيًا وغير معمق على الرغم من أهميته البالغة، فلو بحثنا عن القضايا الاجتماعية التي كثر الجدل حولها لوجدنا أن ما نشر حولها لا يكاد يكون ذي فائدة حقيقية للمجتمع، ومن أمثلة ذلك موضوعات كثيرة من بينها، الجدل حول الحداثة والأصالة، والدولة الدينية والمدنية، وموقعية المرأة في المجتمع، وقضايا الترفيه، والأوضاع الاقتصادية، والتنوع والتعددية وقبول الآخر، وغيرها من القضايا المهمة كثير.

لعل من أبرز الإشكالات السائدة في هذا المجال هي غياب العلمية والموضوعية في الطرح، حيث إن الكثيرين يعطون آراء غير مدروسة من ناحية دقة المعلومات والمصادر، ولا تستند آراؤهم على البحث الدقيق عن الحقائق، وإنما تتشكل من انطباعات عامة أو مواقف أولية غير ممحصة، دون الاسترشاد بالبيانات والإحصاءات العلمية.

من العيوب أيضًا التسرع في عرض المواقف دون روية أو مراجعة وتأمل، وهذا يؤدي إلى إطلاق الأحكام المطلقة لغرض تثبيت الموقف دون النظر إلى تأثيره العام.

من مواصفات الجدل القائم أيضًا هي الحدية في الطرح، فهناك حالة من الاعتداد بالموقف بصورة مطلقة وحدية دون ترك فسحة للمواقف ووجهات النظر الأخرى المخالفة، ويستتبع ذلك في كثير من الأحيان شخصنة المواقف والخروج عن الموضوعية إلى الحديث عن المخالفين كأشخاص وجماعات، وإلقاء التهم الموجهة لهم من أجل إضعاف رأيهم وموقفهم بدلًا من مناقشة الآراء والأفكار.

هذه الأساليب تجعل المتلقي عاجزًا عن امتلاك النظرة الموضوعية للحدث وللموضوع، وميالًا لحالة من الاستقطاب لرأي أو موقف دون دراسته بصورة واعية وشاملة.

وبالطبع فإن معالجة هذه الحالة تتطلب مزيدًا من التدقيق في النشر، وتدريبًا على أشكال الحوار في المجتمع، ودورًا مهما للمتلقي لأن يكون قادرًا على التعبير عن وجهة نظره تجاه ما يدور في المجتمع.