آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

من يسرق الكتب؟

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

ضبطت الكاميرا سفير المكسيك لدى الأرجنتين يسرق كتاباً، وأي كتاب؟ إنه كتاب عن «كازانوفا»، زير النساء المشهور، يعود للقرن ال18. والسارق «المزعوم» هو دبلوماسي عريق يبلغ من العمر 76 عاماً، وعمل باحثاً في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، وأمضى جلّ حياته العملية في دراسة العلوم السياسية ودور بلاده في العلاقات الدولية.

قيمة الكتاب 10 دولارات أميركية، ومن المرجّح «إن ثبتت التهمة على الرجل»، أن السرقة كانت تحت تأثير ولعه بالكتب، وليست سلوكاً إجرامياً محضاً! ثمة أناس في هذا الكوكب ما زالوا يعشقون الكتب حدّ استملاكها بالقوة، سواء بعد استعارة «لا تُرّد»، أو على طريقة السفير المكسيكي.

قبل 10 سنوات، «أي في 18 فبراير/ شباط 2009»، كتب الراحل أنيس منصور في هذه الصحيفة، متسائلاً: «سرقة الكتب هل هي حرام؟!»؛ حيث روى أن المستشرق الألماني باول كراوس، الذي عاش في مصر وتوفي فيها منتحراً في «12 - 10 - 1944» اكتشف بعد انتحاره أن لديه كتباً استعارها من مكتبة الجامعة، ومن مكتبات أخرى، ولم يردها. قال أنيس منصور: «لقد تعمد ذلك، ونصحنا أن نفعل مثله لأننا لم نبع هذه الكتب، وإنما احتجنا إلى قراءتها».

عشرات غير كلاوس كانوا يسرقون الكتب، منهم نبلاء ومفكرون وأدباء ومثقفون وغيرهم. في كتابه «تاريخ القراءة» خصص الروائي الأرجنتيني آلبرتو مانغويل، فصلاً كاملاً عن سرقة الكتب، يذكر فيه أن دوق ليبري، وهو عالم رياضيات إيطالي اشتهر بسرقة الكتب والمخطوطات النادرة من المكتبات العامة في فرنسا، كان يسرق الكتب من المكتبات العامة ثم يبيعها على أرصفة نهر السين.

كان الأدباء يحرصون على حفظ كتبهم من أيدي أهل الإعارة، كما يحفظون دينارهم ودرهمهم، يقول أحدهم:

ألا يا مُستعير الكُتْبِ دعني

فإن إعارتي للكُتبِ عارُ

محبوبي من الدنيا كتاب

وهل أبصرتَ محبوباً يعارُ

في مكتبة «دير سان بدرو» في برشلونة، حسبما ما رواه مانغويل، عُلِقَ تحذير على هيئة دعاء جاء فيه: «من يسرق كتباً، أو يحتفظ بكتب كان قد استعارها، عسى أن يتحول الكتاب الموجود في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يُصاب بشلل ارتجافي قاهر، وأن تشل جميع أطرافه..»!، لا شك أنها دعوة مريعة! فلو استجيبت لأصبح نصف المثقفين مقعدين تسكن بيوتهم الأفاعي!

ثمة لصوص شرفاء، تعرض رواية «سارقة الكتب» للأسترالي ماركوس سوزاك، «2005» قصة فتاة ألمانية تعيش في العهد النازي فترة الحرب العالمية الثانية، تجد في الكتب سلواها الوحيدة وسط مآسي الحرب والتشريد، كانت تسرق الكتب لتبيعها، وتأكل من ثمنها، فصارت تسرقها لكي تقرأها، ثم صارت تقرأ الكتب المسروقة لجيرانها في الملاجئ أثناء الغارات. حازت الرواية على جوائز عالمية، وتصدرت قائمة أفضل المبيعات، وتحولت إلى فيلم سينمائي أميركي في عام 2013.

لا شك أن السرقة فعل قبيح، مهما كان نوعها، لكن ثمة فرقاً بين دبلوماسي يسرق كتاباً، وآخر يسرق زوجين من الجوارب من متجر لندني! لقد أتينا من تاريخ أدمن منع الكتب وحرقها، ثم أصبحنا نعيش على ضفاف العالم في رعاية الكتاب، وممارسة القراءة، لذلك تنعشنا كل مبادرة نحو الكتب، كما تنتعش الحسناء بكلمات الغزل، قال شوقي: «والغواني يغرهن الثناء».