آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

تابوهات!

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

في تجربة علمية طريفة وضع بعض الأشخاص خمسة قرود في قفص كبير وعلقوا حزمة موز في منتصف القفص، وتحت الحزمة سلّم صغير. بعد فترة قصيرة حاول أحد القرود الصعود لأخذ الموز المعلق، وقبل أن يمسّه قام الفريق بفتح خرطوم من الماء البارد على القرود الأربعة الباقية، وهكذا، كلما حاول أحد القرود الصعود للموز تعاقب بقية القرود برشّها بالماء البارد حتى أصبحت تضرب أيّ قرد يحاول الصعود للموز مخافة العقاب.

بعد فترة بدّل أحد القرود بقرد جديد، وما إن حاول القرد المسكين الحصول على بعض الموز حتى ضربته بقية القرود مخافة العقاب. ثم بُدّل قرد ثانٍ وثالث بالتدريج حتى تبدلت جميع القرود القديمة بجديدة لكنها بقيت على نفس نهج القرود القديمة بضرب كلّ قرد يحاول الوصول للموز لكن بدون معرفتها لسبب ضربها لأيّ قرد يحاول الوصول للموز، ولذلك فأنا أقول مازحة: إننا إما كنّا قرودا وتحولنا لبشر، أو بشر وتحولنا لقرود! فمنذ سنين ونحن نعيش مع تابوهات يعتبر نقاشها أو حتى التلميح لها جرما عظيما في هذا المجتمع، ولا نعلم لماذا!

ولمن لا يعرف التابو، فهو المحظور العمل به أو الحديث عنه خصوصا ما يتعلق بأعراف المجتمع وتقاليده التي تعتبر خطا أحمر لا يسمح بتجاوزه، بغض النظر عن مدى صحته من عدمها، أو مدى تأثيره على تطور حياة الفرد والمجتمع!

أول تابو من هذه التابوهات هو نقاش ومحاولة فهم واستيعاب بعض الأمور الدينية مما توارثناها أبا عن جدّ بدون معرفة أصلها وفهم سبب تشريعها والفائدة منها أو الضرر المترتب على تركها. فمحاولة عقلنة بعض الفتاوى مثلا تعتبر خطا أحمر، وكلّ من اعتلى المنبر مهما كانت عقليته فكلامه مقدّس! مما يعني تجميد عقولنا وقبول كلّ ما يقدّم لنا مهما كان مرًّا أو حامضا، أو سنكون ملعونين وفي النار لا محالة!

تابو آخر يعتبر من أكثر التابوهات رعبا للمجتمع، وهو النقاش في الجنس بأيّ شكل من الأشكال! فهذه الحروف الثلاثة كفيلة بإطلاق صفارات الإنذار وإعلان حالة الطوارئ في المجتمع ومن ثم محاولة تسقيط وتشويه سمعة المجرم عديم الحياء الذي تجرّأ على التحدث في هذا التابو وجعله يندم على اللحظة التي فكر فيها النقاش حتى ولو بشكل علمي ومؤدب في هذا الموضوع على اعتبار أنّ لا حياء في العلم!

التحدث عن حرية المرأة ومصادرة حقوقها من قبل بعض الرجال والمجتمع، لا سيّما المطلقات، الأرامل ومن تأخرت في الزواج تابو، الحب ولو كان عذريا وتناقضه مع الزواج التقليدي لإرضاء الأهل تابو، السماح بالاختلاط تابو، بعض القصص المتداولة عن بعض الأولياء والصالحين مهما كانت غير عقلانية وتحمل في طيّاتها إهانة لكرامته ولعقولنا تابو، الاعتراف بالأمراض النفسية وعلاجها عند متخصصين بدل الدجالين تابو، حتى مجرد اقتراح تغيير العباءة السوداء يعتبر تابو!

من الصعب علينا حصر كلّ التابوهات، فلدينا الكثير من المحرمات التي توارثناها وفرضناها على أنفسنا والتي لا تمت للدين أو الإنسانية بصلة، وما نتطلع إليه هو أن تقضي رؤية المملكة الجديدة على بعض هذه التابوهات.

لذلك أتساءل: هل كنّا قرودا وتحولنا لبشر، أو بشرا وتحولنا لقرود سيطرت عليهم التابوهات وشلّت تفكيرهم وأرعبتهم من مجرد التفكير في التقاط الموز؟

لكنّ الفرق بيننا وبين نظرية القرود الخمسة أنّ سلوك القردة كان نتيجة لخوفهم من الماء البارد، لكن ما سبب سلوكنا نحن البشر يا ترى؟