آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

عَبْقَة النهج النبوي

ليلى الزاهر *

طالما ارتبط الإمام علي بالرسول الكريم ﷺ وقد كان يصف هذا الارتباط فيقول:

«وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه ﷺ - بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ - وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه - ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه - ويُشِمُّنِي عَرْفَه - وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه - ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ».

لذلك فقد جمع من عظيم الخِصال مالم يجمعه أحدٌ وحوى من شرف المعالي مالم يصل له أحد من قرابة الرسول وأبناء عمومه.

فقد كان الرسول ﷺ يُجيب على أيّ سؤال يطرحه الإمام بل كان يبدأه الحديث في حال سكوت الإمام لأنه يريد الزعامة الفكريّة لعلي ، وأن تكون بيديه حماية أمة بأكملها من ضلالها الفكريّ والمعرفي، والموقف آنذاك يفرض على الرسول ﷺ تعبئة الأمة بالخير لمواجهة المشاكل التي سوف تحدث وخاصة بعد سقوط كسرى وقيصر وإقبال الدعوة على انتصارات عظيمة مما يتطلب المحافظة على إطار الشريعة الإسلامية في ضوء انبعاث الانفتاح على الحضارات المتعددة.

وعندما يُصرح الإمام قائلا:

«كنتُ أتبعه إتّباع الفصيل أثر أمّه» فهو المعوّل لفهم كل صغيرة وكبيرة كان الرسول يريد قولها وإيصالها للمجتمع.

‎عن أبي إسحاق قال: سألت قثم بن العباس كيف ورث علي رسول الله - ﷺ - دونكم؟ قال:

‎لأنه كان أولنا به لحوقا، وأشدنا به لزوقا.

إن الحديث عن علي بن أبي طالب هو حديث عقيدة عقلية لا أحاديث عاطفية تشمل الذوبان والانصهار في حبّه دون معرفة من يكون ذلك الحبيب.

هو ليس أهازيج نرددها وإنما أبحاث نشعل بها شموع العقل ونرتجزها فكرا واعيا ثقافة ودينا وبلاغة.

ألم تعلم أيها الهائم حبّا أن نَهْج الْبَلَاغَةِ نقل لنا صورة فارس الكلمة في المواعظ والحِكم والأمثال والآداب، والخُطب؟

حقا هو إمام الكلمة سلام الله عليه!

«لذلك فقد حذا على نهجه كلّ قائل خطيب، وبكلامه استعان كلّ واعظ بليغ. ومع ذلك فقد سبق وقصروا، وتقدم وتأخروا، لانّ كلامه عليه مَسْحة من العلم الالهي، وفيه عَبْقَة من النهج النبوي».