آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

قصص خلف جدران الحجر!

ليلى الزاهر *

ربما صرفني الجلوس في منزلي عن رؤية البحر وجماله، لذلك وقفتُ أرقب حديث أمي وهي تُشيد بخطط الدفاع الهجومية ضد كورونا أو الجائحة العالمية «covid - 19» ولن ننسى تسمية أخرى تدور في أفق كبار السن «مكرونيا» أيا كان اسمه فذلك المدعو كورونا ألهب الذكريات وأعادها إلى ذاكرة أمي لسنوات عديدة وهي تتحدث وتلملم أحداثها من هنا وهناك حول مرض الجدري الذي ساد زمنها وهيطفلة صغيرة.

هناك فرق بين تبادل الأحاديث كذكريات سعيدة ويبن العزف على أوتارها كواقع مؤلم يهزّ الوجدان ويرعب القلب.

وفي مشهد امتلأ رعبا بدأت أمي بسرد ذكرياتها كراوٍ افتقر إلى التوثيق وضاع سنده إلّا من خلال كلماتي.

كان الصراع مع الأمراض الفيروسية في زمن الآباء والأجداد صراعا يفتقد التكافؤ مع الخصم، وما برح يُخلف الأوجاع والآلام التي يتصدرها الموت.

تقول أمي: لقد مات الكثير من الناس بسبب الجدري وأُصبتُ أنا مع أختيّ اللتين فارقتا الحياة مع حشد كبير من الناس هزمهم المرض وحصدتهم العدوى.

لقد انتشر المرض انتشار النار في الهشيم، وطرق الموت أبواب الكثير. ومن ظل يصارع الموت خرج منهكا تذروه رياح الألم التي طافت على ملامح وجهه فعاثت فيها التّشوه بتلك البثور والندوب التي ظلت ملازمة له بعد شفائه.

في زمن خلا وسائل السلامة والوقاية هُزم الإنسان. حتى وأن اشتدت مقاومته.

واستوى الأمران عند من يمتلك المناعة أو من يفتقرها.

وكثيرا مايقوم الجدري بحركة التفافية خبيثة فيسلب الإنسان نور بصره كما فعل بالشاعر والفيلسوف الجميل أحمد بن عبدالله المعريّ الذي فقد بصره وهو ما زال في الرابعة من عمره نتيجة إصابته بمرض الجدري مما أثّر في ضمور العصب البصري عنده لذلك سُمي أبو العلاء المعري برهين المحبسين.

ومضى زمن أمي وانطوى زمن المعريّ.

لقد حسم العلم والطب جولات كثيرة انتصر فيها الإنسان على الكثير من الأمراض وبات المستحيل ممكنا.

وتبقى كلمة الله تعالى هي الفيصل منذ ولادة الإنسان إلى موته.