آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

كُتب في ذاكرة الأمة

ليلى الزاهر *

كان الخميس الموافق لـ 23 أبريل يحمل حَدثًا مهمًا ولم يأخذ حقه في الاحتفاء به.

هل ازدحمت أفكارنا بالأحداث ونسينا هذا الحدث المهم؟!

صادف الخميس اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف في وقت قلّما وجدنا أحدًا خلتْ يداه من كتابٍ يشقّ وقته بصحبته، أو يسعد به كرفيق اشتاقه كثيرا ورأى في هذا الوقت فرصةً لاستثمار علاقته به.

‏إنّ الإبحار في عالم الكتب وعشق القراءة سبيلٌ لاستبدال ساعات السأم بساعات حافلة بالمتعة والسعادة. لذلك فأنا أشعر بأن هؤلاء الذين يعشقون القراءة لايشعرون بملل وكآبة البقاء في منازلهم، فبعضهم ‏يجالس كتبه ويختار له صديقا من الكُتّاب يسامره ليلا طويلا بين بحث وحوار يجادله ويسمع آراءه ثم يُصفّق له، أو يضرب بأفكاره عرض الحائط.

إن سحْر العلاقة القائمة بين الإنسان والورق قديمة العهد منذ كان ذلك الإنسان البسيط يُدوّن كل شيء على الحجارة وسعف النخيل حفاظًا على التّراث المعرفي ثم توالت ولادة الكتاب بأبهى صورهُ لتزخر المكتبات العربية بأضخم نِتاج فكري عظيم ربما كان ثأرًا للفاجعة التي أحدثها التتار في بداية القرن التاسع ميلادي عندما أحرقوا قرابة نصف مليون كتاب بين مترجم ومُؤلف من مكتبة بيت الحكمة في العهد العباسي.

لقد دمروا حضارة المسلمين ونتاجهم الفكري وألقوه في نهر دجلة، وعاثوا في البلاد فسادًا وخرابًا.

أَتْبع تلك الأحداث المُدمية للكتاب _في حياته في بلاد العرب _ سرقة المخطوطات العربية القديمة حيث تضم المتاحف في بلاد أوربا أكثر من أربعة ملايين مخطوطة عربية غير قابلة للاسترداد مطلقا. وعلى الرغم من حجم السرقات المعرفية تتصدر مكتبات تركيا العالم العربي في الاحتفاظ بمئة وعشرين كتاب ومخطوط قديم تعقبها إيران ثم تليها في المرتبة الثالثة مصر.

وتبقى في ذاكرة الأمة العربية كتبًا تصدّرت طباعتها مطبعة «بولاق» كأول مطبعة عربية أُنشئت بأمر واليها محمد علي إذ أشرفت على طباعة الكثير من الكتب في بادرة قوية لحفظ التراث المعرفي الكتابيّ في الوطن العربي إذ كانت بعد أول مطبعة في العالم العربي في لبنان التي حرصت على نشر مبادئ المذهب الكاثوليكي في دير قزحيا قرب طرابلس في أول تجربة لها في الطباعة.

الكتاب ثروة باهظة يحلق معك في عوالم مختلفة ينقلك من الشرق إلى الغرب ويصحبك في رحلة سياحية دون حدود،. عابرا معك القارات، ولكن عبوره نسيم هادئ، يحمل أجواءً عاطرة وليس كالضّيف الثقيلكورونا الذي حلّ عابرا القارات وأطال المُقام بيننا فليته لم يعبر وليته ضل الطريق إلينا.

لابد أن أُنهي حديثي ببصمة جميلة تركها لنا الجاحظ وكنتُ سعيدة جدا وأنا أقوم بتدريسها لبناتي، لأسمع صوته عابرا أزمنة سحيقة وهو يقول:

«الكتاب نِعمَ الذُّخْر والعُقدة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم القرين والدخيل، والوزير والنزيل، والكتابوعاء مُلئ علمًا، وَظَرفٌ حُشِي ظرْفًا، إن شئتَ كان أبيَنَ من سحبان وائل، وإن شئت كان أعيا مِن باقل، إن شئت ضحكتَ مِن نوادرِه، وعجبتَ مِن غرائب فوائده»

فمرحبا بالكتاب وأهله، وكلّ عام وهو بين أيدينا، يُزيل الأوهام، ويُجدد المعارف، ويصقل المواهب.