آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

حديث الطّيبات من النّعم

ليلى الزاهر *

كثيرةٌ تلك الصور التي تُداعب خيالنا نُشيّدها فوق الرمالِ أو نرسمها في الهواء لتنتقل بعدها من الواقع الافتراضي إلى الواقع الحقيقي وبلمسة حانية تتحول إلى حياة حقيقية وتصبح عادة مُمارسة عن اقتناع.

إن مظاهر صور التّرف التي تلازم الشهر الفضيل لازالتْ متجددة كلّ عامٍ، ولا حاجة لذكر أرقامٍ لإحصائياتٍ سوف تُدْرجنا في المراكز الأولى لإهدار الطاقة الغذائية لأن الوضع الآن أصبح مرئيا تعكسه لذي عينين جميع وسائل التواصل الاجتماعي مُجسدةً صور الموائد الرمضانية التي تشوّهت بالإسراف وأعاقتْ تحقيق روحانية الشهر الكريم، مما يستلزم إعادة نظرتنا وتهذيب عاداتنا بشكل جديد. كما أن الشواهد الزمنية السالفة تحذرنا من زوال النعمة. فقد عاش الناس في أزمنة غابرة عهودا منالجوع والمرض كانت أقرب إلى فناء الإنسان. ففي القرن الثالث الهجري مثلا وفي البصرة بالعراق حدثتْ مجاعة شديدة تمخّض عنها أكل الناسِ لبعضهم بعضا إذ كانوا ينتظرون وفاة أحدهم ثم يتقاسمون جثته في منظر هو أقرب لصراع الوحوش على فريستهم.

إننا لم نعش المجاعات ولم نكابد ألم الجوع _ ولله الحمد والفضل _

ولم نُصْبح ونحن عُراة حفاة، أدام الله علينا نعمه، وغمرنا بفيض الطيبات من الرزق وواجب تلك النعم شكرها، والحفاظ عليها حتى لا تغادرنا دون عودة لأننا ارتدينا لباس الطغيان يقول الله تعالى:

﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى «العلق: 6 - 7»

إنّ الطعام المهدور يعاتب الإرادة العائلية ويطالب بتبني أنظمة غذائية ذكية تسمح بإعادة تدوير الأطعمة بشكل بسيط وحفظ النعمة بعيدا عن وجوه الإسراف والتبذير. ولا بأس بإقامة حملات توعية تُثقّف الناس وتلقي الضوء على خطورة مايقوم به الأفراد ذوي الدخل المرتفع من صور خادشة لمشاعر الفقراء.

وأنت تَخْلدُ إلى فِراشك هل لك أن تُحصي تلك النعم الماثلة بين يديك؟ وهل لك أن تُحادث الطّيبات منالنّعم لتقدّم لها اعتذارك عن رؤيتها من باب المألوف؟

إننا في مجمل أحوالنا نستطيع طمس صور المستحيل بالإصرار على التغيير للأفضل.