آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 4:33 م

عَمَالة يعيشون في مقابر!

ليلى الزاهر *

يبدو أنّ كورونا فتح لنا أبواب الحصون المنيعة تشرق أنوارها بين خبايا الألم، عزف كورونا ألف مقطوعة، وبألحانه المختلفة.

تنوعتْ الاتجاهات الإنسانية، وظهر معدنُ الإنسانِ وجوهره الحقيقي بل أشرقت أيادي محمد ﷺ البيضاء في طرقات أُخْفِت نورها. فمن مبادرة إعفاء المستأجرين إلى ظهور كؤوس الرحمة التي ارْتشفها بعض المؤمنين في الحفاظ على الوحدة الاجتماعية ومساندة المحتاجين مُجسّدين أروع صور رقي الإسلامِ، وحضارة فكر معتنقيه.

لقد وضع الإسلام موازين موحّدة للبشر لايستطيع أحدٌ تجاوزها ويكفي أن المرور بها فخرٌ للإنسان يعانق إنسانيته الفائقة ويمدّه بمقومات الحياة الكريمة.

وفي منظومة الخلق الإسلامي الكريم معاملة الضعفاء بما يُليق بإنسانيتهم.

وتَمَاثُل الإنسان بأخيه الإنسان منهج يسلكه الإسلام دون النظر لجنس أو لون أو انتماء عرقي. وهذاالحديث يأخذني لما قاله خادم الرسول الكريم أنس بن مالك حينما أثنى على الرسول قائلا: «خدمتُالنبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا لم صنعت؟ ولا ألّا صنعت؟»

بلاشك هم الضعفاء بين أيدينا، إخوان لنا في الإنسانية أظهر كورونا القسوة في التعامل معهم وقبرَهم في مساكن رديئة وبيئة غير صالحة للعيش الآدمي ثمّ إكمال تسلْسل اضطهادهم بوصفهم سبب الإصابات المُتكاثرة دون النظر لأسباب تفشي المرض بينهم.

إن للعمالة حقوق أغفلناها، وأقمنا عليها مأتما وعويلا وسلبناهم حق إرشادهم وإسداء النصح لهم منذ دخولهم نطاق العمل معنا. أما الآن فقد شكّلوا لنا جسر موتٍ نتوجّس منه الخوف، وبتنا نخشى الاقتراب من مساكنهم الموبوءة.

هؤلاء العمالة لو تمّ تأمين السكن المناسب لهم لما آل حالهم لهذا الوضع نسأل الله لهم الشفاء وحُسن الحال «هم إخوانُكم، جعلهم اللهُ تحت أيديكم. فأَطعِموهم مما تأكلون، وأَلبِسوهم مماتلبسون، ولا تُكلِّفوهم ما يغلبُهم. فإن كلَّفتُموهم فأعِينوهم».

وأخيرًا أظهر كورونا أوراقًا مخفيّة وأهمها تلك التي تنصُّ على اتباع لائحة اشتراطات سكن العمَالة المعتمدة من وزارة الشؤون البلدية والقروية، وفي ضوء ذلك لابد من تحسين أماكن إقامتهم تحسّبا لأيطارئ يحدث لهم مستقبلا وقد يتسبب في إيذائهم.

إنّ هؤلاء العمالة مُسخّرون لخدمتنا وواجبنا حمايتهم، والحفاظ على حقوقهم ودرء المخاطر عنهم كما شجعت على ذلك إرشادات حكومتنا المتّبعة بشأنهم لتجاوز محنتهم واحتواء إنسانيتهم.

قال تعالى في كتابه الكريم:

﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «الزخرف: 32»