آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

كيف نحطِّم الناجحين؟

بسام المسلمي *

الخطوة الأولى لتحطيم أي إنسان ناجح هي أن ندخله في فضاء المنافسة، حتى لو كانت وهمية، معنا. فبدلا من الاشتغال بذواتنا وبنائها والبحث عن سبل النجاح؛ فإننا ننشغل بالآخرين وبنجاحاتهم وبكيفية التقليل من شأنهم حتى كأن نجاحنا مقرون بفشلهم. الحقيقة أن الكثير من الناجحين هم خارج فضائنا التنافسي ولكننا نحن من اخترنا بأن نزج بهم في حلبة المصارعة معنا. فالموضوع برمته في أيدينا وبوسعنا أن نختار أن يكون شغلنا الشاغل نفوسنا أو الآخرون. فأنت بيدك أيضا أن تكون مبدعا أصيلا أو مقلدا عبقريا منذ البداية لتمسك بأسباب النجاح وبيدك أن تحفر وتتربص للناجحين من أجل الإيقاع بهم. وحينما تختار الانشغال بنفسك، فبإمكانك أن تفتش داخلها لتتعرف على ما تملكه من طاقات كامنة تستطيع تفجيرها وإمكانات وامتيازات ومؤهلات تستطيع الانتفاع منها. وكذلك، فإن باستطاعتك الجد في البحث عن أماكن وميادين جديدة تستطيع استثمار طاقاتك وإمكانياتك فيها وهذا جزء من فكرة W. Chan Kim وRenee Mauborgne في كتابهما Blue Ocean Strategies «استراتيجيات المحيط الأزرق».

ففكرة كتابهما تشير إلى أن كثيرا من الشركات الناجحة خرجت من المحيطات التي تلونت بلون الدماء التي امتلأت بها جراء الاقتتال والتنافس الشرس وغير الشريف بينها وبين الشركات الأخرى. فهي برحت المحيط الأحمر بحثا عن محيط أزرق ليس فيه دما عبيطا ولا تنافسا شرسا غير محمود لتشق طريقها إلى النجاح بعيدا عن عوائق التنافس مع الآخرين.

ولأن طريق الإبداع شائك وغير مأمون، فلا أظن أنه سيكون عليك بأس بأن تقلد الناجحين الذين سبقوك على جادة النجاح. وهنا فقط ستدرك جيدا بأن نجاحك قد يكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بنجاح الآخرين. وفي عالم الأعمال والتجارة؛ فإنه من الأسهل أن تحاول تطوير فكرة أو مشروع موجود فعلا على أرض الواقع لتنجح نجاحا باهرا. ولعل وسائل التواصل الاجتماعي خير مثال على ذلك. فالفيس بوك والانستغرام والسناب شات والواتس أب هي ذات جوهر واحد ومتشابهات جدا ما عدا في بعض الخواص التي ميزت إحداها عن الأخريات. وبحسب بعض الإحصائيات، فإن العديد من الأعمال والمشاريع، بنسبة لا تقل عن 80% تقريبا، التي كُتب لها النجاح في أمريكا هي مقلدة لمشاريع ناجحة سابقة لها. لذلك فإن محاولة عرقلة الناجحين قد تكون عرقلة لنجاحنا نحن أيضا. وهذا بخلاف ما يظنه الكثير الذين يعتقدون بأن أجدى طرائق النجاح هي تحطيم الناجحين لاعتقادهم بأنهم لن يستطيعوا منافسة أولئك الناجحين ولن يتمكنوا من الإفادة من إنجازاتهم.

ولعل من أكثر الحيل المستعملة لتحطيم الناجحين وخذلانهم في مجتمعاتنا العربية البحث والتنقيب عن الأخطاء والزلات في ماضي أولئك الناجحين كي تُستغل في تدمير وعرقلة الناجحين. وعلى الرغم من أن الماضي مضى وانتهى ومهما كان مختلفا عن الحاضر، إلا أنه من أكثر الأمور توظيفا وأشدها فعالية للنيل من الناجحين والوقوف كحجر عثرة في سبيلهم. فمهما تاب وتبرأ أحد من ماضيه وما شابه من زلل وخطأ؛ فإن أعداء النجاح والناجحين لا يقيمون وزنا لتلك التوبة فيبقى صاحبه في نظرهم قابعا في وحل ماضيه إلى الأبد. فتجدهم يبالغون في محاسبة إنسان والحكم عليه وتقييمه بحسب ماضيه المظلم لا بحسب حاضره المشرق. وربما نستطيع إرجاع ذلك الأمر إلى طبيعة مفهوم الزلات والعثرات والأخطاء لدينا وكيفية النظرة لها والتعامل معها. فبينما ترى بعض الشعوب أن ارتكاب الأخطاء هو طريقة للتعلم والتطور، فإن كثيرا من الشعوب العربية ترى في الخطأ عار وعيب وربما جريمة حتى لو لم يُصب أحد منه بأذى. قد يعود بعض السبب في ذلك إلى ربْطنا الوثيق بين القدوة والكمال أوالعصمة بحيث لا نستطيع تصور قدوة يرتكب خطأ أويقترف معصية. ومن جهة أخرى فقد يرتبط ذلك بما نخلع على نفوسنا من قدسية وكمال بالتستر على نقاط ضعفنا وإخفاء عيوبنا عن الآخرين. ومهما تكن أسباب تلك النظرة، فإن الحاصل فعلا هو أننا نمقت الأخطاء ونرفضها وقلما نعتبرها دروسا نفيد ونتعلم منها.

وحيث أننا جزء لا يتجزأ من تلك المجتمعات؛ فحري بنا أن نتربص بنفوسنا من أن تقع في وحل التفتيش في ماضي الآخرين بغية إسقاطهم من أعيننا وأعين الآخرين. فنحن لا نحتاج إلى أن ننبش قبور الآخرين أونتسكع في حارات ماضيهم لنبني ذواتنا.