آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

قراءة في كتاب عصر التحولات للدكتور توفيق السيف

الكتاب صادر عن دار الانتشار العربي - الطبعة الأولى 2016

يحتوي الكتاب على عدة عناوين مثيرة، قد تكون للتساؤل والاستفهام وقد تكون للنقد والرفض وهذا بطبيعة الحال ما ينشده الكاتب، وبما أنه يحتوي على الكثير كما ذكرنا إلا أن الكثير وجدته مكرر أو مصاغ بطريقة أخرى وهذا نتيجة السؤال الموجه للسيف لأن الكتاب عبارة عن مجموعة حوارات مختلفة تم جمعها لتكون بعنوان عصر التحولات، لذلك رأيت ليس بالضرورة طرح كل ما تطرق له بل الاهتمام بالأهم الذي وجدته وقد يقرأه آخر فيجد محاور أهم وهكذا.

مقدمة السيف باختصار تتحدث عن سيرة ثقافية تحكي هموم الناس وانشغالاتهم في هذه الأيام، وواقع الأمر أنها هموم الأكثرية الكاثرة، فيأتي فيحاول معالجة هذه الأمور كمحاولة منه يجب أن لا نعتبرها نهائية لأنها ستبقى مجرد احتمال من الاحتمالات المطروحة، لك أن تناقشها وتنقدها ولك أيضاً أن ترفضها، فإن ناقشته كما ينبغي زدت الفكر بطرحك وإن رفضت فلن ينتهي العالم، وكلامي هذا ليس من أجل أن نصفق للسيف دون مبالاة بل لنكن على قدر المسؤولية في التفكير ونصفق له ولغيره لإثراء الساحة الفكرية بما هو جديد، وإن مايشجع الدكتور السيف على طرح الفكرة هو قدرتها على إثارة المزيد من الأسئلة نعم الأسئلة التي يخاف منها من هم يزعمون بامتلاك الدين لهم وحدهم، وطرح الأسئلة التي تستفز العقل هي نعمة لأنها تساعده في البحث والحفر في العلوم للوصول إلى فهم وليس فهماً نهائياً بل نسبياً وهكذا تستمر دينامية العقل، والشك محرك السؤال والسؤال باب العلم وليس في العلم رأي واحد ولا منهج واحد ولو أدركنا الحقائق النهائية لما بقي للعلم حاجة بل لأصبحنا آلهة أو شبه آلهة.

لندخل بوابة الكتاب ونعبر بعض الطرق التي لن أقول عنها بأنها غير مهمة بل اختصاراً للطريق وجلب الأهم منه، فنأتي إلى المفهوم الذي سبب الاغفال إلى تكوين انطباع عام فحواه أن الإسلام شأن خاص بالمشايخ والجماعات الدينية وليس من الهموم المشتركة بين الجميع، ولأن عامة الناس قد ينخدعون باللغة الدينية التي يستعملها أعداء التقدم وهو بالتأكيد مؤثر والعائق الرئيس ليس التيار الديني بل السياسة التي تعيق فعلياً تحول المجتمع نحو الحداثة مما تسبب في أن يجعل القداسة المصطنعة تنمو في ظروف الجهل والانغلاق والاحادية السياسية أو الثقافية أو الدينية، وفكرة المتاجرة بالدين تشير إلى تحويل الدين إلى سلعة.

وليس هناك تناقض عند السيف كون الإنسان يكون داعية للدين وفي الوقت نفسه ثرياً وأن يدعو الناس للزهد بينما يعيش حياة مرفهة ويرى أن التعريف الصحيح للزهد هو سيطرة الانسان على النوازع الدنيوية والمادية بحيث يكون مستعداً للتضحية بها ساعة يضطر إلى الاختيار بينها وبين دواعي الأخلاق والدين أو نداء الآخرة، ولذا من بين التجليات المعاصرة للتجارة بالدين يشير الكاتب إلى السعي للنجومية والنفوذ الشخصي أو الحزبي اتكالاً على الشعار الديني أو إسباغ الصفة الدينية على بعض الأفعال وتجريد غيرها تبعاً لمقاييس الربح والخسارة المادية.

ويجيب على السؤال: كيف تفسر الاتجاه الشائع عند الناس باستفتاء الفقيه عن كل شيء......إلخ؟ يجيب أن الدين له نطاق اشتغال محدد ولا يشمل أمور الحياة كافة فمن الواضح أن هناك جوانب كثيرة لاتعتبر موضوعاً دينياً وبالتالي فنحن لا نسأل عنها الفقيه بل نعالجها وفقاً لأحكام العقل ولتوضيح الإجابة بعبارة أخرى الإسلام كامل وليس شامل، وهذا مقتضب بسيط مما أجاب.

ولتطوير مفهوم لدولة مدنية حديثة على أرضية القيم الدينية يجيب أن ذلك ممكن بقراءة حديثة للنص والتجرية الدينية تلتزم بالقيم ومن أبرزها: تمكين الانسان من السيطرة على أقداره وصنع حياته على الوجه الذي يحقق سعادته، وقد قيل كلام كثير في التعارض بين الإسلام والديموقراطية واستحالة التواؤم بينه وبين الدولة المدنيةوهذه دعاوى كلها مبنية على التصور التراثي للإسلام وهو غير مفيد في هذا العصر ولا هو ملزم للمسلمين المعاصرين ويأتي إلى آراء الفقهاء، هل يقر الفقهاء بأن آرائهم قابلة للتغيير؟ ماداموا يقرون إمكانية الاجتهاد وإعادة الاجتهاد فلسنا مضطرين إلى قبول الآراء التي ينقلونها من كتب الأسلاف ومادام اليسر والتيسير معياراً في سلامة الحكم الشرعي فلسنا مضطرين إلي الاقتصار على آراء بضعة مشايخ في المملكة وترك آراء المفكرين والفقهاء الحركيين وجمهور المسلمين في سائر البلدان، والبديل الصحيح هو أن نعيش ونمارس حريتنا وليس أن نكون أحراراً كي نموت والمجتمعات المحافظة شديدة اللوم لمن يخالف مألوفها وعاداتها حتى لو بنى المخالف رأيه على دليل علمي.

وسؤال للدكتور توفيق السيف هو هل تستطيع أن تقول عن نفسك أنك متحرر تماماً من الأيديولوجيا؟ فيجيب بأنه ليس متحرر من الأيديولوجيا، والايديولوجيا هي الوسيلة التي نبني بها علاقتنا مع العالم المحيط بنا ويظن أن الانسان لا يحتاج إلى التحرر من الأيديولوجيا بل يحتاج إلى الوعي، ويشرح معناها بشكل أوضح وهي منظومة من المستخلصات الذهنية عن وقائع أو تحديد لمعنى العلاقة بين وقائع، ويفرق بين الدين والأيديولوجيا، حيث يعتبر الدين فطرة الله ومنهجه ورسالته فهو يعبر عن رؤية متعالية أما الأيديولوجيا الدينية فهي منتج بشري أي منظومة تفسيرات وقيم يتبناها حزب أو جماعة ويدعون الناس إليها أو يستعملونها كأداة تفسير وتوجيه للعلاقة بينهم وبين غيرهم لكنك سترى دائماً من يرون أنفسهم وكلاء على الخلق، ومن يرون أنفسهم أحرص من رب العباد على عباده فيصنفون الناس إلى قريب من الله وبعيد عنه وهم بالطبع يضعون أنفسهم دائماً في مركز الدائرة فمن اقترب منهم اعتبروه قريباً من الله ومن ابتعد عنهم اعتبروه عدواً لله أو بعيداً عنه فربنا سبحانه أقرب إلينا من كل أحد من عباده ونحن لا نحتاج للاقتراب من ربنا إلى أكثر من ذكر اسمه والتوجه إليه بعقولنا وقلوبنا ولا نحتاج إلى مسافة ولا مساحة ولا دائرة ولا إلى أحد من العباد.

ويتحدث توفيق السيف عن التراث الإسلامي الشيعي والسني وغيره بأنه أقرب ما يكون إلى ثقافة اجتماعية فيها شيء من العلم والفكر لكن معظمها نتاج للتجربة التاريخية للمجتمعات وهو أي التراث الإسلامي ككل وفي جميع المذاهب دون استثناء متخلف عن العصر وحاجاته وتحدياته، ووظيفة المثقف هنا ليس تبرير الواقع بل نقده لأن التخلف يبدأ في اللحظة التي يقرر الناس أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان لذا مهمة المثقف هي دحض هذه الرؤية السكونية، والذين يدعون إلى التشدد في الأخذ بما عند الآخرين من معارف يضعوننا أمام خيار عقيم فحواه أن نقبل التخلف كي نحافظ على إيماننا وأخلاقنا، لكننا نعرف بالعقل البسيط أن الإيمان الذي ينهار بسبب زيادة العلم ليس إلا عباءة خلقة وليس هو الإيمان نفسه الذي عبر عنه القرآن بالكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها بالسماء.

أيها القارئ جميل والتفت إلى هذه النقطة وتأملتها جيداً دون أن تتسرع في الحكم يقول الدكتور السيف أن تعليمات الدين الحنيف تؤكد التساوي بين الجميع ولكن الواقع مختلف والدليل مكانة النساء التي تشير إليها الآية المباركة «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» وهي صريحة في أهلية النساء وحقهن في تولي المناصب السيادية في الدولة والمجتمع أو ما يسمى في الفقه بالولايات وأن لهن من حرية الاختيار ما للرجال سواء بسواء لكننا مع ذلك أعطينا الولاية وحق الاختيار للرجل وحصرنا دور المرأة في السمع والطاعة وهذه أعراف أو تقاليد اجتماعية وألبسناها رداء الدين لأننا نريدها من جهة ولأننا من جهة أخرى نريد أن يكون عملنا مبرراً ومقبولاً، والتقاليد بطبعها مرتبطة بالزمان والمكان ونظام المصالح الذي تولدت في إطاره.

لذلك الانضمام إلى ركب الحداثة ليس مجرد خيار تأخذه أو تتركه بل هو ضرورة للحياة المعاصرة واعتقد أن الأغلبية الساحقة النساء السعوديات يردن هذا بمن فيهن أولئك اللاتي يشعرن بالقلق من انعكاساتها السلبية، والوعي ليس مشكلة المرأة فقط إنه مشكلة مجتمع بأكمله، مجتمع يريد الحداثة ويخشى منها في الوقت نفسه.

السيف كثيراً ما يوضح في كتاباته بأن هناك فرق جوهري بين الدين وفهم الدين

الدين: كما أنزله رب العالمين لا جدال فيه بل اعتقد بعمق أنه طريق فسيح للنهوض والتقدم.

أما التدين: فهو فهم الناس لذلك الدين وتطبيقهم لأفهامهم المتباينة وهي بطبيعة الحال قاصرة عن بلوغ مراد الخالق ومتلونة بطبائع الناس وذهنياتهم المختلفة وثقافاتهم ولهذا ترى مفهوم التدين في المغرب غيره في مصر وإلخ...

لذا الكثير يخلط مابين الدين وفهمه حتى فقد وظيفته الاجتماعية لأنه لم يعد ملكاً لمجموع الناس بل أصبح حكراً على طبقة خاصة تملك نوعاً من السلطة وهي تستعين بهذه السلطة على فرض مراداتها وآرائها تحت عباءة الدين وقد تكون مجرد اجتهادات فردية أو أعرافاً وتقاليد لطائفة محددة من الناس وظهور التدين في كل مكان هو تعبير عن نفوذ الطبقة التي تحتكر الشأن الديني وهي بالطبع قادرة على أن تصل إلى كل إنسان حتى داخل بيته.

أما نقد الذات فأبسط صور الممارسة النقدية هي أن يقول كل فرد رأيه في النقطة المحددة من دون سعي إلى إقناع الطرف الثاني بهذا الرأي، ومشكلة النقاشات عندنا قليلة جداً ومعظم هذا القليل يتناول الأشخاص والناقدون يضعون نصب أعينهم اسم صاحب الفكرة وانتماءه الأيديولوجي أو السياسي أو الجغرافي وينظرون إلى آرائه من خلال هذه الزوايا لهذا تجدهم يحتفون بأفكار بسيطة وأحياناً ساذجة ويحتقرون أفكاراً عظيمة لأشخاص آخرين، وهؤلاء يتناقلون الروايات التي تقول لهم أن الصلاة الفلانية تمحو كل الذنوب دون وعي ويتناسون الروايات التي تحث على التفكير وكما ينقل عن الإمام علي «لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قيل» لكنهم يتجاهلون هذه الأقوال والحكمة ضالة المؤمن ولكن للأسف فهم لا يعقلون من الأمر شيئاً غير أنهم يثبتون تدينهم بتناقل الأقوال حتى وإن كانت على خطأ لأنهم استصغروا أنفسهم وينسب للإمام علي أنه قال أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر، وعلى كلٍ وظيفة الكاتب ليست إصلاح الناس بل التفكير والتعبير عن أفكاره والناس ليسوا دجاجاً في حظيرة كي نتحكم في الغذاء والهواء الذي يصل إليهم بل عقلاء أحرار، أول العلم هو حرية التعبير والنقد والاختلاف وليس ثمة طريق للتقدم والإصلاح من دون حرية النقد ويعني توفيق السيف الحرية المطلقة التي لا تحدها قوانين ولا قيود ولا أحكام ولا أعراف ولا مجاملات، وإذا أردنا إنتاج جيل مفكر ومنتج للعلم فنحن بحاجة إلى تربية عقل شكاك ومتسائل، عقل متمرد على الأطر والموروثات عقل يتطلع إلي كشف الغيب وليس الوقوف أمام جدرانه والايمان بالغيب هو إيمان بوجود أوسع من الوجود المرئي والمشهود.

العقل المفكر والعقل المتسائل والعقل الشكاك يحتاج إلى بيئة تسمح بالاختلاف وتقدر المبادرة الفردية ولو كانت مخالفة للسائد، نحتاج إذن إلى فهم الذات باعتبارها حرة مستقلة شجاعة في إبداع الجديد لا مجرد «صامولة» في آلة ضخمة اسمها المجتمع وظيفتها الوحيدة هي تسهيل عمل الآلة أو تكميل ألوان اللوحة، والحرية عند فقهاء المسلمين أن الانسان الحر هو الذي لايملكه إنسان آخر وهذ المعنى لايتطابق مع المفهوم اليوم.

ونعلم في المبدأ أن الايمان ليس شيئاً يفرض على الناس رغماً عنهم لأن الإيمان مكانه القلب «لا إكراه في الدين» تعني أن الإيمان لا يدخل القلب ولا يستقر فيه مالم يكن الإنسان مريداً له راغباً فيه فهو، ومن لا يرغب فيه ويقوم به فبحسب التوصيف الديني منافق النفاق هو إظهار التدين من دون الايمان به.

ويعتقد السيف أن روح الدين أقرب إلى فكرة الفردانية وكما ينسب إلى الإمام علي «كن في الناس ولاتكن معهم» ومضمونها يشير إلى علاقة تنفي انفعال الفرد بموقف الجماعة لكن ليس إلى حد اعتزالها إنها أقرب إلى الموقف التفاعلي والقرآن يعلى قيمة الإنسان الفرد مثل قوله «وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ﴿13 اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿14 مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿15» وهذه الآيات تؤكد مبدأ عقلياً راسخاً فحواه أن كل فرد يتحمل المسؤولية عن أفعاله هو وليس أفعال الآخرين وهذا محل اتفاق بين الفقهاء أيضاً، لذلك تجد في مجتمعنا مثلاً يصعب على الفرد الجهر بموقف أو فكرة مغايرة للثقافة السائدة يتبنى المجتمع الكثير من الأفكار والمعتقدات الأسطورية فإذا حاولت نقدها انصبت عليك الاتهامات من كل صوب لا تتوقع أن يناقشك أحد في الفكرة سيكون مشغولاً بذم شخصك وكيل اتهامات من قبيل معاداة الدين والانبهار بالغرب وتعمد الاختلاف من أجل الشهرة أو إثارة مسائل في غير وقتها خدمة لعدو ما حقيقي أو متوهم.

ولكي يتعلم الناس فنون التفكير والنقد لابد له من القراءة والنقاش والاستماع ومخالطة العلماء، والنتائج العلمية التي يتوصل إليها الفرد بالطريق العقلي قد لا تكون ملزمة لغيره ضرورة لكنها بالنسبة إليه أقله أساس مقبول للمعرفة والالتزام وهو يستطيع وضع استنتاجاته في مصاف الحقائق ومثل هذه الرؤية تتوقف بطبيعة الحال على الإقرار بقيمة الانسان في ذاته وقيمة جهده الذهني وقدرته على أن يكون مستقلاً متمايزاً من غيره وهذا رأي الأصوليين.

وفيما يخص الاجتهاد وتجديد الأحكام يسأل السيف هل يجب أن نعدل أحكام الشريعة كي تطابق متطلبات العصر أم نخضع هذه المتطلبات لأحكام الشريعة التي نعرفها سلفاً؟

غالبية هذه الأحكام لاسيما غير العبادية تنظيمية فهي أقرب إلى معنى القانون الذي يستهدف تنظيم الحياة الجمعية وتداول المصالح بين الناس. السؤال الآن: هل هذا القانون أو ذاك نهائي عابر للزمان والمكان أم أنه مشروط بموضوعه والمصالح التي استهدف تحقيقها؟ والفكر والفقه الذي بين أيدينا اليوم معظمه يدور حول أسئلة قديمة ويعالجها بأجوبة قديمة أيضاً ويحتفل بعضهم أحياناً لأن فقيهاً أجاب عن سؤال حول الصلاة على سطح القمر مثلاً أو الطريقة المقترحة للاحتيال على أحكام الربا، ومعظم الآراء الفقهية الخاصة بالمعاملات والولايات جاءت رداً على أسئلة وحاجات جديدة لم تكن قائمة أو منظورة في زمن النص، والحقيقة أن هذا المبرر الوحيد للاجتهاد.

وحول وجوب طاعة المعصوم يبدي الدكتور رأيه الشخصي وهو أن القول بعصمة الإمام خارج النطاق الخاص لموضوع الامامة الدينية فيه تكلف ولا نملك دليلاً قطعياً عليه فما ينقل من الأدلة ليس جامعاً ولا مانعاً ومثل هذا الأمر الكبير بحاجة إلى دليل قوي جداً وحتى في نقاشاتهم حول ضرورة تعيين الإمام وكونه تجسيداً للطف الإلهي فإن معظم الأمثلة التي يضربونها للفكرة تتحدث عن الإمام الداعية وليس الإمام الحاكم، وأما المفهوم الذي يبدو معقولاً فهو العصمة التي تقارب معنى الكمال أي ترويض النفس على المعرفة والاستقامة التامة حتى يصفو القلب والعقل وهذا مفاد الكلام المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب «وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر وتثبت على جوانب المزلق، ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة» أرى أن هذا المعنى أقرب إلى العقل.

وفي الختام زبدة القول أنه يكفي أعباء وتكليفات إضافية لم تكن موجودة في الأصل ولا تقسروا أبناؤكم ولا تلقونهم بل افتحوا الحوار معهم ولا تمنعوهم من السؤال ولا تربوهم على أنهم عبيد لكم، كل ما ورد في هذا الكتاب قابل للنقاش والأخذ والرد دون تعصب ودون أن تقهر نفسك وتشق جيب عاطفتك وتنسى أن تفتح باب عقلك للتأمل والتفكر.