آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

أقول لها‎

قيس آل مهنا *

أقول لها‎

أَقولُ لَها وَقَد طارَت شَعاعاً  
 مِنَ الأَبطالِ وَيحَكَ لَن تُراعي

من منا لم يسمع هذا البيت أو يحفظه أو يردده في خلجات نفسه، بين حين وآخر مستشهدا أو متمتما بحديث خفي. 

فمن هي؟ وماذا سأقول لها؟ ولماذا علي أن أقول؟

تساؤلات عديدة وحيرة أجاب عليها الشعراء كل بحسب اتجاهه وموقفه، فدعونا نستعرض بعضا من هذه التساؤلات وأجوبتها.

أَقولُ لَها وَقَد طارَت شَعاعاً    
 مِنَ الأَبطالِ وَيحَكَ لَن تُراعي

فَإِنَّكِ لَو سَأَلتِ بَقاءَ يَومٍ  
عَلى الأَجَلِ الَّذي لَكِ لَم تُطاعي

فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبراً 
 فَما نَيلُ الخُلودِ بِمُستَطاعِ

وَلا ثَوبُ البَقاءِ بِثَوبِ عِزٍّ    
فَيُطوى عَن أَخي الخَنعِ اليُراعُ

سَبيلُ المَوتِ غايَةُ كُلِّ حَيٍّ 
فَداعِيَهُ لِأَهلِ الأَرضِ داعي

وَمَن لا يُعتَبَط يَسأَم وَيَهرَم
 وَتُسلِمهُ المَنونُ إِلى اِنقِطاعِ

وَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ 
 إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ

وهذه الأبيات هي لقطري بن الفجاءة، ومن أكثر ما تردد على الألسن وحفظ من الشعر، وفيها يخاطب نفسه، زاجرا إياها عن الخوف والهلع من مقابلة الموت، فهو سبيل كل حي وكل صائر إليه، فالقول هنا للنفس للتجلد والتصبر. 

أقول لها والحرب قامت قناته  
وبالصبر يستدني السلامة صاحبه

حذارك من بأس أمره لا تروعه
  على الدهر من قبل الفطام نوائبه

تعود مس الضر في الدهر مذ نشا  
 فما الرعب لو دارت عليه مصائبه

إليك عن القوم الهجان الذي له
 يد البطش تدميراً على من يغالبه

وهذه الأبيات لإبراهيم قفطان، ويعني ثلة أو جماعة أرادت أن تثنيه عن بأس الحرب وأهواله، فالمقصود بقوله أقول لها هي تلك الجماعة من الناس التي حاولت بث الخوف والضعف في نفسه. 

مدحتك جهد مقدرة القوافي   
فضقت بها مقصِّرة جميعا

أتعصاني مغردة بنفسي
  معودة هنالك أن تطيعا

أقول لها وقد كلت قصوراً 
 رويدك واهدئي لن نستطيعا

يراك الناس حيث ترى عظيما 
  كريماً في تسامحه وديعا

وأنت النهر دفاقاً قوياً 
إذا ما هم لم يملك رجوعا

يفيض على الربوع جلال نعمى 
 ويغشى من حوائلها المنيعا

وهذه الأبيات لإبراهيم ناجي، ويعني بقوله أقول لها تلك القوافي، قوافي الشعر التي باتت قاصرة عن استيعاب صفات ممدوحه.


أَقُولُ لِها سِرّاً وَقَد غابَ كاشِحٌ  
 رَقيبٌ مَقالَ العاشِقِ المُتَهالِكِ

لَكِ الخَيرُ ما هَذا الجَفاءُ وَهَذِهِ 
 دِياري وَأَهلي زُلفَةٌ مِن دِيارِكِ

أَتَرضينَ قَتلي لا بِسَلَّةِ صارِمٍ 
 مِن البِيضِ إِلّا سَلَّةً مِن لِحاظِكِ

وهذه الأبيات لابن المقرب، والمقصود باقول لها هي حبيبته، وفيها عتاب على جفائها وصدها له مع قرب الديار والأحياء من بعضها البعض.

وغَانيةٍ لم تَعْدُ عِشرين حِجَّةً  
  أَقولُ لها قَولاً لَدَيه ثَوابُ

عليكِ زكاةٌ فاجْعليها وصالَنا 
 لأَنَّكِ في العشرين وهْي نِصَابُ

وما طَلبي إِلا قَبولٌ وقُبْلةٌ 
 وما أَرَبي إِلاَّ رِضاً ورُضَابُ

وهذه الأبيات لابن سناء الملك، وهنا يخاطب محبوبته ايضا، ولكن بحذلقة ونصب، مازجا الغزل بالفقه، فبلوغها عشرين سنة كبلوغ نصاب الزكاة، ولكن أية زكاة يريد، زكاة القرب والوصل مكللة بالقبل والعناق، فياله من متحذلق. 

أقول لها تعالي لا تجيء
تصور..صار يزعجها المجيء

لماذا صار يزعجها؟ألأني
لهيبآ صرت،أحرق لا أضيء

لأني،والكلام لها،جريء
أمد يدي إلى حد يسيء!!

لأن الحب يعجبها بريئآ
ويتعبني أنا الحب البريء؟؟!!

وهذه الأبيات للشاعر اللبناني يونس الابن، وهي من أرق وأجمل الشعر العربي، وأقول لها حبيبته الممانعة المتمنعة التي رفضت مجاراته والانصياع لرغباته، في حوارية هادئة وجميلة، ختامها مسك الختام قولا وفصلا.