آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

لذة - عرفان - الله

سوزان آل حمود *

﴿وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰٓ «طه - 13»

انتفاضةٌ تعقبهَا لا أدري سببهَا!! في كلّ مرةٍ أردّدها أو أنصتُ لهَا أشعرُ بالسماءِ تموجُ، والأرضِ تضطربُ، شيءٌ يخرقُ العَادَة، كأن تألفُ روتين يومكَ وتأتي لحظةٌ تطيحُ به، هي كذلك، آياتُ القرآن كلّها جليلةٌ جميلة، مؤنسة، ولكن لكلّ آيةٍ نورٍ يومضُ بداخلِ كلّ واحدٍ منّا في وقتٍ مُقدّر، يطيحُ بالمشاعرِالمعتادةِ فيه، ويهدمُ أصنامَ التبلّدِ والجفَاء.

قد تمرّ الآيةُ على كلّ أذنٍ قبلك، وتأتي عندك تشرحُ صدرك، وتنبتُ فيك نبتةَ شعورٍ لاتنطقُ بوصفٍ له إلا وعظّمتَه، وقد تعيشُ عمركَ كلّه في ظلالِ آية، تكون أمّك وأباكَ، صاحبُك وأخاك، تكونُ سندًا ومتّكأً وحِصنًا ومأوى.

من صدعَ قلبهُ للقرآن، تشقّقت جدارنُ الضعفِ بداخله، وبزغت من بينها شموسُ الحقّ، تضيءُ فيهِ صباحاتٍ ومساءات ٍممزوجةً بلطفِ كتابِ الله، وإن كان ليلُ العالمين لا ينجلِي، نوركَ يضمنُ لكَ صباحًا ومساءً يليقُ بما سكنَ فؤادكَ وسكّنَه!

القُرآن حَبِيبيَ الذي يضنيني الحديثُ عنه كلما حاولتُ أن أوفيهُ حقه الحمدُ للهِ دائمًا وابدًا، المُسلمُ متَّكِئٌ على حائطٍ لا يخورُ، ألا وهو دِينُ الإسلامِ، مرحومًا مُصطفىً مُجتبىً ليحييَ التوحيدَ وينبذُ الشركَ، ويمكّن دينَ اللهِ في الأرضِ ويرفعُ رايتَه!

المُسلمُ مكرَّمٌ ب ”لا إلهَ إلا الله“ أبدَ الدّهرِ، على جبهتهِ وسم التوحيدِ وبين عينيهِ، يعرفهُ من مثله، تربط بيننا روابطُ الشهادة، وتجمعنا ببعضنا أخوةُ الدّين الحقّ، والوعدِ الحقّ لأنّ الله حقّ، وقولهُ حقّ، ونبيّهُ أرسلَ بالحقّ!

اللهُ اللهُ ربّي لا أشركُ بهِ شيئًا يتسع الصدر انشراحًا باتساع حدقة البصيرة في مشاهدات النعم!

إن لله تعالى عبادًا اختصهم بالسفر في ملكوت الشكر، يتقنون جمال رصد التفاصيل الصغيرة من فضل الله عليهم، فهم دائمًا في فرحة الشكر، والإقرار بالعجز عن الشكر!

وما ضاق صدرٌ بمثل محاصرته بأسلاك ‍الشكوى! هؤلاء الذين لديهم قدرة مدهشةٌ على تحويل رحابة هذا الكون إلى مثل رأس الإبرة ضيقًا واختناقا!

لسانهم دائما ترجمانُ همٍّ، وسفير شكاية! فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السماوات والأرض وهوالعزيز الحكيم.

ويصابُ المرءُ بالنُّصبِ لتتأصّلَ بداخلِهِ أعمدةُ الصبر، فما رأيتُ في الحزنِ - الذي يأكلُ الأرواحَ بنَهَمٍ - إلا لُطفًا مؤجّلًا، نسلي أنفسنا بمجيئِه، ونتصبّرُ بأنسامِه عندما تتفطَّرُالقلوبُ تعبًا.. فلكَ الحمدُ أنتَ ربُّ السماوات والأرض، ولك الشكرُ أنتَ بديعُ السماواتِ والأرض.

ختامًا:

إنّ اللهَ ليُلقي في قلبِ العبدِ ذرةً من طمأنِينتِه فيهونُ عليه ما يلاقيه، ويضمد كلّ جرحٍ فيقلبِه، ويسليه عمّا فقد، ويجبَر فيه ما كُسِر، ويلمّ عليه شعثه، ويسكّنُ بالقرآن ألمَه، كلّ ذا قد يشعرُ بهِ إن سجدَ للهِ سجدةً بعد دهرٍ من العصيانِ..

فكيفَ بلذةِ وصالِهِ الوطيدَة، التي تأتي بعد دهرٍ من العبادةِ والعرفان؟

الحمدُ لك أنكَ ربّنا، ولك الشكرُ، إنا عبادُك، لا إلهَ إلا أنتَ، عظيمٌ قدركَ وجمالكَ وجلالكَ وعظيمةٌ رحمتكَ يا ربّي!