آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

اقتصاد ما بعد كورونا «15»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

وكيف سينطلق اقتصادنا بعد كورونا ليسابق الريح، ليتجاوز الدول في الخروج من حالة الركود إلى حالة النمو؟ وتعج أدبيات الاقتصاد بكتب ومقالات رصينة وبحوث تحليلية عن أساليب وطرق لحفز النمو الاقتصادي، لكنها كتبت إجمالا لعالم مختلف، عالم ما قبل قدوم كورونا، ولذا فهي تتناول سياقا لم يكن لكورونا فيه حضور أو تأثير. أما سياقنا الراهن فلكورونا فيه حضور لافت، ستبقى تداعياته لأعوام. وتختلف مساقات انتشال الاقتصاد وحفز النمو حسب الأوضاع؛ فهي في السلم غيرها في الحرب، كما أنها تتفاوت أساليب حفز النمو الاقتصادي من أزمة إلى أخرى تبعا للمسببات والتحديات المتربصة بالحلول.

ومن شواهد ذلك، ما شهده العالم عند المكابدة لعلاج الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997، التي عطلت نمو ”النمور الآسيوية“ وجذبت اقتصاداتها للخلف ما لا يقل عن عامين إذ لم تعاود معدلات نموها في عام 1999، فقد فقدت أسواق تلك الدول 70 في المائة من قيمتها نتيجة لتلك الأزمة، والحل كان بأن مد صندوق النقد الدولي تلك الاقتصادات بقروض قصيرة الأجل بقيمة 110 مليارات دولار، وكان مبلغا "هائلا في تلك الأيام.

أما التعامل مع الأزمة المالية العالمية 2007 - 2008، فمختلف، فقد شمل دول العالم ولا سيما الاقتصادات المتقدمة، وكانت أسوأ أزمة مالية - اقتصادية تلم بالعالم بعد الكساد العظيم، فقد خصص الكونجرس الأمريكي للتعامل معها 700 مليار دولار، وأصابت العالم بركود، وأخذت كل دولة طريقا، وجذبت اقتصاد العالم للخلف أعواما، لكن الأزمة أفرزت حوكمة عالمية للمؤسسات المالية وضبطا للاستقرار المالي financial stability على مستوى الدول لم تكن مسبوقة.

ما سبق مثالان يتضح فيهما التباين في كل شيء لبيان أن سياق الأزمات يتفاوت من حيث: «1» تماسه مع الاقتصاد العالمي، «2» دائرة تأثير الأزمة عالمية أم إقليمية أم محلية، «3» أوضاع الاقتصاد المحلي وقت وقوع اشتداد الأزمة، هي أبعاد ثلاثية يعتمد عليها تصميم الحلول وبالتالي اجتراح المبادرات للأزمات وتدبير التكاليف، بما يبرر القول إن حلول الأزمات تتفاوت بتفاوت مبادئها وتداعياتها.

نعود للسؤال: كيف سينطلق اقتصادنا في حقبة ما بعد كورونا ليسابق الريح؟ وتعبير ”يسابق الريح“ يعني تحديدا أن ينمو بالمعدل الممكن للناتج المحلي الإجمالي أو ما يسمى Potential GDP growth؟ الإجابة القصيرة: أن نتفحص الأنشطة الاقتصادية الفرعية، فكل من تلك الأفرع سوق له عمالته واستثماراته ووارداته وصادراته ومكاسبه وتحدياته، وهنا سنجد أننا أمام مئات الأسواق التي تبدو صغيرة، لكن كل منها ينطوي على مصالح كبيرة... يتبع

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى