آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

على جناح سارتر..!

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

لم يكن سارتر في كتبه ”موتى بلاقبور“ و”الأيدي القذرة“ و”الحرب الغريبة“ وعدد من كتبه يكف عن التأمل والتعبير عن ذاته ووجهة نظره إزاء كثير من القضايا الوجودية والإنسانية التي انتقلت لنا كرصيد ثقافي ناضج يعبر عن آراء حالية ومستقبلية وهموم وانشغالات وانثيالات فكرية لسارتر، هذا التأثير الذي وصل إلينا مثل تأثير سارتر العالمي وفلسفته وأدبه كيف يمكن لنا نحن أدباء العالم الثالث أن نشق طريقنا نحو العالمية؟ قديماً كان التأثير الثقافي يأتي محملاً مع القوة العسكرية فعندما غزا الرومان اليونان تأثروا بثقافتهم، فالضعيف يتأثر بالقوي لأنه يمتلك مع قوته المادية إطاراً فكرياً مختلفاً ومتقدماً، ولكن ما الذي يجب أن نقدمه ويكون محمولاً على جناج الثقافة؟ التقدم الحضاري للدول يسمح بنشر ثقافتها وبثها في الدول الأقل تقدماً والتمكن الفكري وثراء الموهبة تأثيره يصل حتى لو كان فردياً وهناك أمثلة فردية على ذلك مثل تأثر الشاعر الإيطالي دانتي عندما كتب ملحمته الرائعة ”الكوميديا الإلهية“ بالإسراء والمعراج، وفي رواية أخرى أنه تأثر برائعة أبي العلاء المعري ”رسالة الغفران“. فالثقافة والأدب هي الذاكرة التي تحفظ الوجع والفرح عميقاً في روح البشرية، وهي التي تقضي على العنصرية التي تغرق المجتمعات في شبه موت دماغي في حين يجب أن نكون في نظام اجتماعي مدافع ومنتج بشكل متقدم. التواصل الثقافي ضروري لصناعة حوار فكري وهو الدور المنشود في المرحلة القادمة نظراً لغرقنا أو محاولة إغراقنا في الإيديولوجيا التي تمسخ بشريتنا وتجعلنا نعيش في صراع مع الآخر دون وجود مبررات حقيقية، لأنه ما زال هناك فئة تختنق بالبديهيات، وتغرق عند شاطئ مفهوم أو كلمة، وعندما نحاول أن نتعرف على أي شعب فنحن نقرأ أدب ذلك الشعب لنقترب منه. فالأدب يوطد العلاقات بين الشعوب ويشرحها يقول غوتة: ”أننا نود أن نعيد إلى الأذهان من جديد أن مسألة توحيد العقليات الشعرية أمر مستحيل. فالحديث هنا يدور حول تعريف الشعوب بعضها ببعض، وليس عن أي أمر سواه. وحتى إذا أخفقت الشعوب في إقامة علاقات محبة متبادلة فيما بينها، فإنها ستتعلم في الأقل كيف تتحمل بعضها بعضاً“.

إن الوصول إلى العالمية لا يعني البقاء فيها الى الأبد. فعلى سبيل المثال نرى أن اناتول فرانس دخل الأدب العالمي منذ البدء، بينما نراه في العقود الأخيرة يلفظ خارجاً ليحتل المرتبة الثانية. وكذلك جورج ويلز، الذي لم يلق في بداية الأمر صعوبة في دخول الأدب العالمي، ولكن أين موقعه اليوم؟ أنه في الواقع خارج إطار هذا الأدب. وعلى هذا النحو نرى أن مدى الاعتراف بكاتب ما قد يتعزز أو يتراخى، بل وقد ينقطع لفترة قصيرة أو إلى الأبد. الكاتب الذي يظل حياً في الأذهان هو الذي تصمد أعماله الإبداعية أمام الزمن وتعاقب الآراء والأجيال وإجماعها على قوة هذه الأعمال وفرادتها.

ومما لا ريب فيه أن عزلة الأدب القومي عن الآداب الأخرى يؤدي إلى تأخره، والنجاحات التي حققتها الآداب القومية عبر التأريخ كانت بفضل اعتمادها على الاقتباس من الخارج واستيعاب وهضم وتمثل هذا الاقتباس من أجل تحقيق أكبر قدر من التعبير الذاتي بمعونة الآداب الأخرى أو في الصراع ضدها.