آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

البيروقراطية وطموح السعوديات!

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

شَقت طريقها بنفسها، فتاةٌ تكافحُ من أجل حُلمها، لتكون استشارية في طب العيون، تلك هي الدكتورة أمل العوامي، التي منحت ذات العزيمة لابنتها ياسمين الفرج؛ فتاةٌ سعوديةٌ نشأت ضمن عائلة - رغم بيئة المجتمع التقليدية - استطاعت نساؤها أن يكون لهن نصيبٌ مبكرٌ من الصدارة. فخالتُها فاطمة السيد حسن العوامي، وابنة عمها آمال السيد علي العوامي، كانتا من ضمن أول ثلاث مهندسات سعوديات في شركة أرامكو، مطلع ثمانينات القرن المنصرم. لم تهزمهنُ النظرة النمطية التي تضعُ ”الهندسة“ كتخصص يحتكره الرجال، بل بنين ذواتهن بكل ثقة وعلم، وصرن مصدر إلهام.

هذه البيئة الأسرية التي تحتفي بالمعرفة، ولا تفرق بين الرجال والنساء، بعيداً عن أحكام التفضيل النمطية، ساعدت مجموعة من الأبناء والأحفاد على أن ينطلقوا في رحلة تنافسية على من يكن أكثر تميزا وتفوقا، وجعلت ”العلم“ معياراً أساساً للفخر، بعيداً عن المباهاة الجوفاء بالمال أو النسب!

ياسمين الفرج، ابتعثتها ”جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية“، للدراسة في الولايات المتحدة، لتلتحق بجامعة ”كاليفورنيا“، بمدينة بيركلي، وهي واحدة من الجامعات المرموقة، التي نال مجموعة من خريجيها ”جائزة نوبل“ في حقول عدة، ومن ضمنها قسم ”الكيمياء“ الذي درست فيه ياسمين، وبحسب موسوعة ”ويكيبيديا“، فإن نحو 10 علماء من القسم حملوا ”جائزة نوبل“.

الشغف بالعلم، قاد الفرج لأن تتخرج بتفوق، وتحصل على قبول لإكمال دراساتها العُليا في ”معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا“، وهو أيضا واحدٌ من المراكز العلمية ذات الشأن الرفيع على مستوى العالم.

المعهد قدم منحةً للفرج لتكمل ”الدكتوراه“ في الكيمياء مع تخصص في البوليميرات والمواد الرخوة، مباشرة، دون الحاجة لأن تحصل على الماجستير، لأنها فضلا عن تفوقها، فإن كبريات الجامعات في الولايات المتحدة لا تمنح شهادة الماجستير في الكيمياء، إلا في حالة كان المُتقدم للدراسة غير قادر على إكمال متطلبات الدكتوراه.

ياسمين الفرج، التي فرحت بهذا الاحتفاء الأكاديمي بها، واجهت عقبات بيروقراطية، حرمتها من أن تنال منحة من وزارة ”التعليم“ السعودية، والسبب عائد لأن النظام يشترط الحصول على الماجستير قبل الدكتوراه!

الغريب أنه في الوقت الذي تسير فيه خطوات تمكين النساء السعوديات بشكل سريع، وفق رؤية 2030 التي أقرتها الحكومة بإرادة ملكية عليا، وهي رؤية قائمة على تجاوز البنى القديمة، المتصلبة، مجترحة أدوات حوكمة جديدة، وهو ما يلحظهُ المراقب في القرارات الملكية، وأكد عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في مناسبات عدة.

موظف يحتكمُ إلى أنظمة قديمة، غير محدثة، أو برنامج إلكتروني مبني على خوارزميات معينة، يقفُ عقبة ليس أمام ياسمين الفرج وحدها، بل ربما هنالك سعوديات متفوقات أخريات سواها، يعانين من ذات المشكلة، وهو الأمر الذي يتطلبُ تصحيح هذه اللوائح وتحديثها.

لو عرفَ الموظف المختص ما معنى أن يكون الإنسان طالباً في جامعة ”كاليفورنيا“، و”معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا“، لسعى لأن يكون داعماً، مسانداً، وهو التفكير الذي لا يتلاءم مع السعودية الجديدة، الدولة الفتية، الذاهبة لمعانقة المستقبل بعلم وجهود بناتها وأبنائها.