آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:48 م

العدالة ومنح الفرص الجامعية

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

”جامعة حفر الباطن“، شرق السعودية، عندما تتصفحُ موقعها الإلكتروني، تجد أن هنالك تفاوتاً في نسب الدرجات المشترطة على الطلاب، فطلبة المحافظة تم منحهم شيئاً من التسهيلات، حيث اشترط حصولهم على نسبة 84 % للقبول في ”المسار الطبي“، فيما يجب على القادمين من خارج حفر الباطن تحقيق نسبة 95,276 %، ولك أن تقيس ذلك على باقي المسارات، وهو الأمر الذي أثار نقاشاً بين العديد من العائلات والطلاب، بين من هو معارض، ويعتبر في ذلك نوعاً من ”عدم الإنصاف“، وبين مؤيد، وبالطبع المساندون هم من أهالي المحافظة، لا خارجها.

من أجل فهم الحالة بشكل علمي محايد، بعيداً عن العواطف، توجهت للصديق د. محمد العضاضي، الأستاذ الجامعي السابق، الذي دائماً ما يكون النقاش معه ممتعاً، لما لديه من خبرة في الحقلين الأكاديمي والثقافي.

أبو سهيل الذي درس الماجستير والدكتوراة في الولايات المتحدة، وعرف الكثير من تفاصيل حياتها العلمية، يشير إلى أن هنالك سياقا تاريخيا معينا، بدأ في ستينات القرن الميلادي المنصرم، أثناء حركة الحقوق المدنية، وتحديداً المتعلقة بحقوق ”الملونين“، أي ”السود“، وهذه التجربة التاريخية بما شابها من تقاطعات سياسية واجتماعية وفلسفية عدة، أنتجت ما يعرف ب ”Affirmative action“، والذي يمكن ترجمته لـ ”التمييز الإيجابي“، وهو أمرٌ كان يقصد به منح المهمشين الأميركان مزيداً من الفرص، كي يحسنوا من أوضاعهم التعليمية والمعيشية والاجتماعية.

”التمييز الإيجابي“ يرتبط بتمكين أفراد تعرضوا لإقصاء في فترات تاريخية، سواء لأسباب تتعلق بالجندر أو العرق أو اللون. ولذا، نجد أن اشتراطات القبول للأميركيين من أصول إفريقية مثلا، أقل تشدداً من تلك المفروضة على الأميركيين البيض، لا لتفضيل لـ ”الملونين“ على ”البيض“، وإنما من أجل خلق توازن اجتماعي، وتغيير نحو الأفضل: اقتصادياً، علمياً، ثقافياً، في البيئات الأكثر فقراً أو اضطهاداً أو تعرضاً للعنصرية.

ل ”التمييز الإيجابي“ أنظمة تختلف من جامعة لأخرى، بناء على لوائحها، مستواها، اشتراطاتها الأكاديمية، والمخرجات التي تروم تحقيقها.

”التمييز الإيجابي“، يختلف عن نظام ”الكوتة“ وتوزيع النسب، وهو نظام يستحق مقالاً مستقلاً، لمعرفة كيف يتم العمل به.

لو أخذنا جامعة ”هارفارد“ مثلا، سنجد أنه خلال 36 عاماً مثلا، حصل هنالك تغير كبير في نسبة الأعراق الموجود بها.

العام 1980، كان الطلاب البيض الأميركان يشكلون نسبة 79,2 %، والبقية تتوزع بين الأميركان من أصول إفريقية وآسيوية ولاتينية وبقية الأعراق والطلاب الأجانب.. سنة 2016، أصبحت نسبة الطلاب الأميركان البيض في ”هارفارد“ 41,5 %، فيما شكل الملونون والأعراق المتنوعة والأجانب بقية النسبة.

هذا التغير في صرح أكاديمي عريق، ذي مكانة علمية مرموقة، هو نتيجة سياق تاريخي وثقافي وسياسي وفلسفي، لا أظنه ينطبق على ”جامعة حفر الباطن“، أو سواها في المملكة، والتي يجب ألا تكتفي باستجلاب ما هو موجود في الدول الأخرى دون دراسة وتكييف للقوانين، بل من المهم أن تجترح أنظمة مرنة، حديثة، بما يتناسب والتطور الأكاديمي المحلي، كي تتحقق نتائج إيجابية، تعطي للفتيات والشبان فرصاً عادلة لتحقيق طموحاتهم.